رواية شغفي
ليست المرة الأولى التى تصادف فيها حالة ولادة تحمل من عجائب هؤلاء القوم ما يثير أفكارها ولكنها المرة الأولى التى يتدخل قلبها فى حكمها عليهم ذلك الزوج الذى احتاج الأمر لثلاثة من رجال الأمن لنزعه عن زوجته بعد فقدانها للوعى فور ولادتها هو زوج عاشق حتى النخاع.
ليس من المعتاد في الصعيد أن يحضر زوج ولادة زوجته لكنها كانت حالة غير طبيعية بكل التفاصيل فهى للمرة الأولى كطبيبة تعايش هذا الكم من الفوضى التى كانت نتيجتها طفلة رائعة الجمال .
مر نصف ساعة قبل أن تغادر آيلا غرفة العمليات لتجد ذلك الزوج أمامها، لا تعرف كيف وصل هنا لكن عينيه تحمل نفس الفزع الذى يسكن نظراته منذ رأته اليوم
-چرى إيه ؟؟ فين مرتى ؟
ابتسمت بهدوء تتمنى أن يحصل على بعض منه
-كويسة الحمدلله نزلت اوضتها
- يعنى هى زينة ؟
اتسعت ابتسامتها التى تنبع من قلبها الذى تتعالى خفقاته
- افتكر تشوفها بنفسك احسن .
هرول وقد انسته ربكته أن يشكرها لتنظر فى أثره وتتسع ابتسامتها لتتمتم متحدثة إلى طيفه
- لا ابدا ده واجبى .. وبيقولوا الصعايدة قلبهم ميت يااااه انا عاوزة اتجوز واحد صعيدى ههههه
لم تنتبه أن صوتها عالى نسبياً ولم تشعر بتلك الخطوات التي تقترب فمن المفترض أن هذا الطابق لا يتواجد به سوى العاملين غالباً لكنها انتفضت مع ضربة قدم قوية أصابت الأرضية الصلبة وصوت جهورى يتحدث بجدية
- تحت الأمر والطلب وسرعة التنفيذ يا فندم
اتسعت عينيها وهى تطالع هذا الضخم الذي أدى التحية العسكرية أمامها للتو معلنا تنفيذه أمر لا يدركه عقلها ارتفعت عينيها ترى حاجبين معقودين يظللهما قبعة عسكرية ثم انف حاد يعلو شفتين تتعانقان بقوة و تندس كل هذه الجدية بسمار بشرته المائل للبرونزية.
منحها دقائق تتطلع إليه بدهشة وكأنها لم تفهم ما يقوم به، لقد راقبها كثيراً أثناء تردده على المشفى الحكومى لمتابعة تحقيقاته التى لا تنتهى وفى كل مرة يبحث عن وسيلة للتقرب منها لكنها دائما لا تراه وكأنه هواء .
- مين حضرتك ؟
- نقيب حسام عبد الرحمن الناجى
- وايه المطلوب منى؟
لازالت لا تفهم ولا زال متمسكا بقناع الجدية الذى بدأ يرتخى قبل أن يتخلى عنه ويمنح ملامحه بعض اللين وهو يشير للخلف
- وانت واقفة هناك قولتى عاوزة تتجوزى صعيدى وانا اهو جاهز للجواز حاااالا.
زاد اتساع عينيها التى تتميز بلون عجز عن تميزه ربما لكونها نصف مصرية كما اتضح له من تحرياته عنها وكذلك اسمها الذى يحيره وسرعان من تطايرت من بين شفتيها ضحكات تدفعه للقسم بإحيائها ما حيا .
هزت رأسها وهى تنفض هذه الأفكار المجنونة التى ولدتها كلماتها قبل أن تتقدم لتتجاوزه فيعترض طريقها
- رايحة فين هو حد يلاقى تحقيق أمنياته فى التو واللحظة ويسبها ويمشى؟
- حضرتك شكلك فاضى يا حضرة الضابط وانا ورايا حالات عن إذنك
- انا مش بس فاضى ده انا قتيل هنا لحد ما توافقى
- اوافق على ايه ده جنان! وبعدين مش من حقك تتصنت على احلامي
- اهو شوفتى بتقولى احلامك وبعدين انا كنت هنا بالصدفة وانت حلمتى وانا موجود ازاى أمشى من غير ما احقق احلامك؟ دى الشرطة فى خدمة الطب حتى
- الطب؟ هى مش كانت الشعب؟
- لا الشعب راحت عليه دلوقتي انا فى خدمة الطب، والطبيبات الفاتنات
توقفت خطواتها واحتدت نظرات عينيها وهى تراه في هذه اللحظة مجرد عابث يسعى لبعض المرح وهى لا تقبل بأن تكون مجرد لحظات مرحة فى حياة اى شخص
- تقدر حضرتك تلف في المستشفى ونشوف حد غيرى تتسلى معاه عن إذنك
كادت أن تهبط الدرج ليبسط ذراعه فتتوقف وتنظر له بحدة لم تفلح في ردعه
- بس انا مش عاوز غيرك
لقد طفح الكيل من عبثه
تراجعت خطوة للخلف تنظر إلى ذراعه الذى يمنع تقدمها وتبدأ هجومها عليه
- وانت تعرفنى منين علشان تتكلم معايا مش معنى انى تباسطت معاك فى الكلام يبقا من حقك تعترض طريقى
- اعرفك من زمان من سنة وخمس شهور اسمك آيلا كامل محمد نص مصرية والدك مصرى ووالدتك إنجليزية اهلك عايشين بين مصر وبريطانيا لأن والدتك مش قادرة تتأقلم مع الحياة فى مصر بعد وفاة والدك من خمس سنين اخواتك مرتاحين فى لندن وانت مرتاحة هنا اخدتى الثانوية دولية وجيتى كملتى طب قبل وفاة والدك فى جامعة عين شمس واتخرجتى وتخصصنى نساء وتوليد اتنقلتى هنا من سنة وخمس شهور بناء على طلبك لأنك عاشقة لكل ما هو مصرى أصيل وشايفة الصعيد اكتر مكان في مصر محتفظ بالعراقة المصرية .
كان يتحدث وهى تتراجع خطوة بخطوة حتى جلست فوق مقعد بالرواق وهو يتبع تقهقر خطواتها حتى جلس بجوارها مقدرا صدمتها من احاطته بكل هذه التفاصيل الدقيقة التى تحتفظ بها لنفسها والتى بذل جهداً كبيراً ليحيط بها .
منحها لحظات بعد أن أنهى حديثه ترتب أفكارها قبل أن يتابع
- وانا مصرى أصيل أقسم بالله حتى امى وابويا قرايب مش من هنا بس صعيدى أبا عن چد قولتى ايه ؟
أغمضت عينيها عدة مرات وكأنها تتأكد أنها ما يحدث واقع تحياه وليس حلما ستنتزع منه بينما تجرأ ليقترب بجذعه العلوى من مقعدها
- آيلا انت حلم عايش معايا من سنة وخمس شهور بس عمرك ما شوفتينى مااعرفش ليه مع انى فى المخروبة دى كل اسبوع تقريباً بصى لى كده بذمتك مش وشى مألوف ويتحب ؟
عادت تنظر نحوه تقيم هيئته من أعلى لأسفل وكأنها تستنكر كونه مألوف الطلعة ليقطع أفكارها مجدداً
- ها قولتى ايه ؟
- قولت ايه فى إيه ؟
- فى معاد جوازنا طبعا تحبى نتجوز الأسبوع ده ولا الاسبوع الجاى؟ لا اكتر من كده مااقدرش استنى
انتفضت عن المقعد تتجاوزه نحو الدرج تفر من هذا الجنون الذى يحيطها به لكنه لم يتراجع وتبعها معترضا عن فرارها من سيطرته التى تاق طويلاً لها ولن يجازف بخسارة هذه الفرصة
- انت رايحة فين من أولها بتنفضى لى ؟ لا انا راجل حمش ومااحبش مراتى تتجاهلنى بالشكل ده
توقفت خطواتها وقد هبطت عدة درجات وهو يتبعها كظلها حتى كاد يصطدم بها لولا تداركه السريع لتنظر له بضيق
- حظرة الضابط ممكن تشوف طريقك وتسبنى فى حالى انا ورايا حالات وناس محتاجة وجودى
- اقسم بالله ما حد محتاج وجودك زيى
أنقذها من حواره غير المنطقى طنين جهاز الاستدعاء لتتحرك وتتركه خلفها وهو لم يتوقف عن ملاحقتها إلا لمنحها بعض الوقت .
..........
دخلت آيلا لتلك الشقة الصغيرة التى اشترتها مؤخراً والتى كان موقعها الذى يطل على نهر النيل السبب الرئيسي في تصميمها على شراءها .
اتجهت من فورها للشرفة لتمتع عينيها بهذا المنظر الخلاب للعقل حيث يتعانق قرص الشمس الذابل مع صفحة النهر الهادئة المرحبة بإنغماس دفء الشمس بين طياتها لتودع نهار اليوم في عناق خالد يتكرر منذ الأزل.
تنهدت بإرتياح وهى تتابع تعمق الشمس التى انعكس لونها الذهبى لتكن الصورة أمامها إبداع الخالق الذى تخضع النفس لروعته وتسكن الروح أمام عظمته.
اقتربت من سور الشرفة تستند إليه لتنتبه لوجود شخص يلوح لها من مسافة كافية تماماً لتتعرف على ملامحه
إنه ذلك المجنون الذى زلزل ثبات يومها بظهوره
اتجهت عينيها نحوه وقد أقحم نفسه في هذا المشهد المهيب ليبدو وكأنه جزء منه بلون بشرته المائل للبرونزية والذى يبدى تأثره بلهيب الشمس عاد يلوح لها لتنشق شفتيها عن ابتسامة لم تظن أنه سيراها لكن أخرج من جيب سترته مرآة وجهها مع سطوع الشمس الذى يخبو ليسلط الضوء على عينيها فتتعالى ضحكات قلبها التى عبرت شفتيها ورغم استحالة بلوغها مسامعه إلا أنها تراه يضحك أيضاً.
عادت للداخل فقد طمر النهر قرص الشمس فى ضمة ملتهبة مانحا الليل فرصته اليومية ليبسط دثاره القاتم فوق البسيطة ورغم نهاية المشهد الذى تعشق إلا أنها على موعد معه في الغد.
اتجهت للهاتف لتطلب الطعام ككل يوم من مطعم قريب قبل أن تفتح الحاسوب وتحاول التحدث إلى والدتها التي كانت متصلة بالفعل
- آيلا انت عامل إيه ؟
- fine mam
- آيلا مش تكلمنى English كل يوم كلم انا نفس كلام
ضحكت آيلا فهى تحب مشاكسة امها التى تعشق اللغة العربية رغم عجزها عن النطق الصحيح وتحب هى فكرة عشق أمها للغة عشقاً لمن علمها إياها وهو والدها الراحل
- ماتزعليش يا ماما طمنينى عاملين ايه وچو ومادى فين؟
- كله كويس بس انت قول لمامى ليه عينك تضحك النهاردة جه بيبى كتير انت فرحان؟
- لا مش موضوع بيبيهات يا مامى بس حصلت النهاردة حاجة مجنونة غيرت مودى
- ايه مجنون دى! واحد مجنون ولا حادث مجنون ؟
أشارت آيلا بالسبابة والوسطى معا مع إشراقة ابتسامتها قبل أن تبدأ تقص على امها ما حدث والتى تحمست كثيراً لما تقصه ابنتها التى ترى دائماً أن حياتها العاطفية معطلة كلياً وطالما طلبت منها منح قلبها فرصة مع شخص ما لكن آيلا لم تكن مهتمة ولم يكن هناك من تمكن من إثارة فضول قلبها مسبقاً.
طالما كان فارس أحلامها صورة لا تنطبق مع اى شخص أو تتقارب لتدفعها للمحاولة والغريب أن الصورة لازالت بعيدة عن حسام الذى رغم ذلك نجح في إثارة دقات قلبها.
- انت قول خايف علشان مش اعرفه كويس خلاص انت روح واحد معاد مع هو وأعرفه
- مامى انت عارفة انا متمسكة بتعاليم الاسلام اللى بتمنع المواعدة والحمد لله هنا مش زى لندن و.. استنى الأكل وصل دقيقة وراجعة هنكمل كلامنا وأنا بتغدا
- اوكيه
ابتعدت آيلا عن الشاشة وهى تلتقط حقيبتها متجهة للباب، فتحته لتجده أمامها يحمل أكياس الطعام لتتسع عينيها دهشة مع تقافز بعض دقات قلبها التى أثر وجيبها على لون بشرتها فوراً
- انت بتعمل ايه هنا ؟
- عازمك على الغدا مش هتقولى لى اتفضل؟
تبع سؤاله بالتقدم للداخل لتنظر فى أثره لثانية ثم تدور حول نفسها بفزع
- استنى عندك رايح فين ؟
- داخل أحط الاكل على السفرة ولا هناكل واحنا واقفين ؟
وصل فى لمح البصر أمام شاشة الحاسوب لتشهق اميليا فيلتفت للشاشة وعينيه تنتقل بين وجه آيلا ووالدتها
- مين الحلوة دى يا آيلا؟ اوعى تكونى من بتوع الألوان؟ اااه قلبى الصغير لا يحتمل
لم يتوقف عن التفوه بجنونه بينما نظرات الدهشة بأعين آيلا وامليا متشابهة حتى أوقفته الأخيرة بحدة
- بس اسكتى ولد انتى كلام كلام ايييه ده مين انتى ؟
- انتى وولد فى جملة واحدة ازاى؟
جلس امام الحاسوب بأريحية لتتحرك آيلا أخيراً وتدفع ذراعه
- ايه ده يا اخينا هى وكالة من غير بواب داخل وبتقعد ولا كأنه بيت اهلك؟
- استنى بس يا آيلا روحى اقفلى الباب وتعالى أما اشوف القمر بيقول إيه! نعم يا جميل يا مستورد انت
ضحكت اميليا بينما ضربت آيلا كفيها بعجز وهى تنظر إلى الشاشة راجية أن تتغافل امها عن حوارهما منذ لحظات لكن الأخيرة خيبت ظنونها وهى تتساءل فوراً
- هو ده مجنون آيلا كنت احكى عنه؟ مجنون جدا بس خفيف دمه انتى ولد روح امشى انا عاوز اتكلم مع بنتى وحدينا خالص
- بنتك؟ لا ماتقوليش بنتك من اى زاوية ده انت اصغر منها
عادت ضحكات اميليا متسائلة بدلال
- خفيف دمه آيلا انتى ولد اسمك إيه ؟
- حسام عبد الرحمن الناجى والقمر اسمه ايه؟
- انا اميليا ماما بتاع آيلا
- يعنى انا اقولك ماما؟
- ماما فى عينك ولد زى ثور .
- ثور!!
- ايوه ازاى وانت كد ثور قول لواحد ليدى صغنن زى انا ماما ؟
- اممم طيب اقولك طنط
- طنط فى عينك ولد زى ثور انتى مفيش دماغ فى راسك خالص؟
- دماغ فى راسى ازاى لا العربي بتاعك مستحيل امال اقولك ايه خلاص هقولك يا قمر ما انت قمر فعلا
- لا ولد هسام انتى قول لأنا ايمى بعدين لما آيلا حب انتى كتير واجوز انتى قولى هماااتى
صدعت ضحكات حسام التى زادت من ضربات قلب آيلا التى تقف بعجز تراقب حواره مع أمها، عجز نبع من عدم إلمامها بالتصرف الصحيح فهى تتعرض لأول مرة لموقف مشابه ، زاد اتساع عينيها وهو يتابع حواره مع أمها كأنه على علاقة وطيدة بها
- حبيبتي يا حماتى لا انا من دلوقتي هقولك يا حماتى ولو أن محدش هيصدقنى بس من ناحية آيلا تحبنى كتير فدى خليكى واثقة فى قدراتى فيها هتحبنى وتتجوزنى وده وعد منى
- حبك برص قوم من هنا
لكمته آيلا فى كتفه بقوة من وجهة نظرها ليتنهد و يلتفت إليها
- شاهدة يا حماتى بتمد أيدها عليا وانا راجل حمش ومااحبش مراتى تمد أيدها عليا بس هسامحها علشان وشك السمح يا ايمى يا قمر
- قوم اطلع برة بقولك بدل ما اجيب البواب يطردك
جذب كفها يجبرها على الجلوس بجواره
- طب يمين على يمينك ما انا متحرك قبل ما تاكلى معايا حتى لو هبات هنا وبعدين مالك قافشة كده خلى خلقك استرتش دى حتى حماتى أول مرة تشوفنى عاوزاها تقول عليكى ايه متجوزة سوسن
- متجوزة؟
- اعتبارا لما سيكون، خدى جايب لك الشاورما اللى بتحبيها بس انا هاكل بطاطس ما تيجى تاكلى معانا يا حماتى
ضحكت اميليا وهو يدس الشطيرة فى فم ابنتها المفتوح بذهول فهذا المجنون تحتاجه ابنتها بالفعل .
بداية جميلة ومشوقة
ردحذفجميله جدا تسلم ايدك ياقلبي
ردحذفالزوج رفيع ي قسمة في ولادة ابنهم الأول
ردحذفبدايه جميله ومشوقه تسلم ايديك
ردحذفبدايه جميلة مجنون ايلا
ردحذف