"سجين الحكمة"
بقلم /فاطمة الالفي
❈-❈-❈
سار بخطوات متهادئة مغادرًا منزله، متوجهًا إلى عالمه الخاص الذي يعشقه ولا يجد نفسه إلا به، تلك المكتبة الصغيرة التي اتخذها بالحي الذي يسكنه، حي بسيط شعبي ولكنه أراد أن يزرع داخل الأطفال حُب القراءة والكتابة وجميع الثقافات لكي يصنع منهما شبابًا ناجحًا ولكنه فشل في محاولاته ولم يكترث طفلا لأجل ما يقوله ويهتف به .
هكذا هو حال العم حكيم ،رجُل مُسن في الستين من عمره ، قضى أكثر من نصف عمره بين الكُتب وجال بالمكتبات شرقًا وغربًا ،ولم يترك بابًا من العلم والمعرفة إلا وطرقه .
وقف أمام مكتبته يفتح بابها ثم ولج لداخل يعبئ رئته براحة الورق التي يهواها ويفتقدها كلما أبتعد عنها ، ها هو يجد روحه بهذا المكان الصغير ،رغم ضيقه إلا أنه يشعر داخله بأنه حُر طليق كالطير الذي يُحلق في الفضاء الشاسع يغدو وينشد أعزف ألحانه بين طيات الكتاب يجد حياته، يتنقل من عالم لعالم أكثر متعة ،هذة هي حياته البسيطة ، جلب المقعد الخشبي ووضعه خارجًا ، ثم بدء في روتينه اليومي وهو يفترش سجادة أمام المكتبة وينتقي بعض الكُتب بعناية ويصففها بمحبة بعدما مسح عنهما الغبار ، جعل منهم كأرفف حوله وهو يبتسم بسعادة ثم جلس على مقعده ووضع الطاولة المستديرة الصغيرة ثم جلب _وابور السبرتو_ "السبرتاية" والصينية النحاسي التي يعلوها ركوة القهوة وأغراضها من علب زجاجية وضع بأحدي السكر واللأخرى البن العربي المحوج الذي يفصله فهي طقوسة المحببه لقلبه أن يصنع كوبًا من القهوة يحتسيه وهو يقرأ كتابه.
ضبط عويناته الطبيبة وبدأ في الغوص بين صفحات الكتاب ،يلتهم بحدقتيه الكلمات التي تدغدغ أوتار قلبه عشقًا، ينسى كل ما حوله فالقراءة هي غذاء روحه وعقله ولم يستطيع التخلي عنها.
"يقال البعض بأن القراءة أحدى مفاتيح السعادة وأنا أجد بها كل السعادة'
بإمكانك أن تدور العالم كله دون أن تخرج من بيتك، بإمكانك أن تتعرف على الكثير من الشخصيات الفريدة دون أن تراهم، بإمكانك أن تمتلك آلة زمن وتُسافر إلى كل الأزمنة رغم أنه لا وجود لهذه الآلة الخرافية، بإمكانك أن تفعل كل هذه الأشياء وأكثر عبر شيء واحد فقط هو القراءة، الذي لا يقرأ لا يرى الحياة بشكل جيد، الكتاب نافذة نتطلع من خلالها إلى العالم, إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب. إن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق، ولا يمل، ولا يعاتب إذا جفوته، ولا يفشي سرك.
خطى الشاب بقدميه إلى حيث مكان وجود "العم حكيم" الذي دائم التردد عليه بسبب دراسته في مجال الطب ، يتردد على مكتبته لانتقاء الكُتب الخاصة بمجال التشريح الذي يود أن يتخصص به ويريد معرفة كل ما يخصه لذلك هو شاب كثير البحث ولديه طموح ونمت بينهما صلة قوية بسبب شغفه لدراسته وتوسيع دائرة ثقافته وكل ذلك يعود بمعرفته لهذا المُسن الشغوف ،المولع بالثقافة والقراءة .
تبسم له العم حكيم عندما لمحه مُقبل عليه، قابله"يحيى" بابتسامة ودودة :
-صباح الخير على رجُل الحكمة.
أزدادت بسمته أتساعًا وهو يُرحب به ويجيبه قائلا:
-صباح الخير طبيبًا الماهر ، تفضل بالجلوس.
جلب يحيي مقدعًا وجلس جواره يسترسل حديثه عن ما أتى به، فهو. لا زال طالبًا في العام الأخير من كلية الطب ويريد التخصص في مجال التشريح ،لذلك دائم التردد على العم حكيم من أجل معرفة كل ما يخصه في هذا العلم المُعقد فهو حين يتخرج سوف يتعامل مع جثث متوفاه لا أحياء ، يعلم خفاياهم وسبب وفاتهم .
"القراءة نافذة تطل على الدنيا و العالم الكبير ، القراءة طريق العلم المُنير"
-أي ريح طيبة ساقتك إليَّ؟
-ليس لدي محاضرات اليوم ،وفي الغد أختبارًا هامًا وعمليًا، سوف أرى جثة أمام عيني لمعرفة سبب الوفاة ،هذا الشئ يقلقني وأتيت للحديث معك لكي تتبخر كل مخاوفي.
ربت حكيم على أرجل الشاب وقال:
- سأصنع لك كوبا من القهوة يساعدك على التركيز وتصنت لي ،سوف أقص عليك حكاية لا تُنسى لعل الخوف داخلك يتلاشى.
-الخوف من الفشل يجعلك تكابد من أجل الحصول على النجاح ،مررت بالماضي بعثرات كثيرة كدت أن أفقد صوابي على أثر كل محنة أو ضائقة مرت عليَّ،لكن أصراري على الوصول لهدف جعلني أُحارب من أجله وأستمر في تقلبات الحياة، تعلم يا بني الجهل الحقيقي ليس في غياب المعرفة ،بل في رفض اكتسابها .
أنا شخص أتنفس الكُتب وأعشق القراءة لأنها تمنحني الهروب من ضجيج الحياة وتغوص في عالم جديد مليء بالمتعة وشغف المعرفة، القراءة تهذب روحك ، تنمي عقلك ،ترفع وعيك، تقوي شخصيتك ،تصبح على أثرها شخصًا ذا منطق وأسلوب مقنع وراقي ،تبتعد عن الابتذال والفوضى والتهريج ،القراءة تجعلك شخصًا جيدًا .
كل هذه الكُتب هي أصدقائي وقراءتها وأبحرت داخل عوالمها الخفية، الكتاب هو الصديق الذي لا يتخلى عنك وتجده يحتضنك وتفرغ شحنة غضبك بين طياته،يظل جانبك ويمدك بالقوة والصمود وحُب المعرفة .
فأنا خير دليل أمامك الان ، من ينظر ليَّ يجدني وحيدًا ،لا يعلم بما يدور داخلي وما هو شعور وسط هذا العالم الملئ بالإثارة والتشويق ، من يراني يظن بأنِ عجوز مُسن تركه أولاده وحيدًا ،والوحدة والحزن ينهش في قلبي ، لم يعرفون الحقيقة الكاملة ،ينظرون فقط للبرواز الخارجي أما عن روحي وباطن عقلي لم يستطع أحد معرفته ولا فهمه إلا نفسي فقط، سوف أقص عليك حياتي لعلها درسًا أو نصيحة أقدمها لك .
كُنت طفلا معدومًا من أسرة بسيطة، قد أكاد أمتلك قوت يومي، ليس لدي عمل أجني منه المال وكلما طرقت بابًا طالبًا للعمل يوصد في وجهي لان أول من أتساءل عنه هو هل تجيد القراءة والكتابة وأعود إلي منزلي مُنكسر الخاطر لأن والدي لم يكن يملك ثمنًا لكي يعلمني ،كان الجهل يسود أنذاك ، علمني والدي النجارة ولم يقدر على تعليمي القراءة والكتابة يظن بأن الفتى ليس بحاجة إلا لصناعة يدقنها ويثمر منها لقمة العيش ، ولكني عندما شب عودي يأست من الجهل وتمردت عليه ، أحسست حينها بأن شاب بلا تعليم لم يصلح بأن يكون ذا شأن يوما ما، وقررت البحث عن العلم وبغضت الجهل، وذهبت إلى رجُل ذو فضل عليَّ ،رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، هذا الرجُل كان مُعلمًا ورحب بوجودي وبدء في تعليمي القراءة والكتابة وكنت سعيدًا جدا بهذا الإنجاز الذي حققته عندما نطق لساني بحروف الهجاء لاول مرة ، جلب لي هذا المُعلم الفاضل كُتب تساعدني على تلك الخطوة وظل قرابة عامين يعكف على تعليمي فقط ،هو من زرع بذرة حب القراءة داخلي ، عشقت الكُتب حينذاك وظل العشق يكبر معي يوما بعد يوم ، بفضل الله ثم بفضل معلمي الجليل وجدت عملا بمركز الثقافة وكنت فطين العقل واسع المعرفة ،أبحر بين دفات الكُتب ،لا يوجد كتابًا لم أقراءه ،قرأت الكثير والكثير في كل مجالات الحياة والأدب والتاريخ والآثار وكل شيء متعلق بشتا مجالات الحياة وتزوجت من أم ابنائي ،شاركتني في تربية وتعليم أطفالي ،لقد رزقني الله بولدين وسعيت بكل جهدي لكي ينالوا التعليم العالي، كافحت من أجلهم ،أردت أن أعوض بهما ما نقصني من علم وازرع داخلهم العلم والمعرفة وتوفت زوجتي وتركت لي رسالتي مع اولادي لاكملها وحدي ولم أيأس إلى أن وصلا لأعلى المراتب وكلما رأيت نجاحهم أشعر بنجاحي أنا في هذه الثمرة المثمرة حصل البكري على دكتوراه في علوم الذرة والاصغر حصل على دكتوراه أيضا في البرمجة والتكنولوجيا ولكنهم لم يجدون فرصة للعمل والتقدير على ما توصلوا إليه من نجاح هنا في بلدتهم ، لذلك قررا الهجرة ،فهذا المجتمع يظل وراء الناجح يحبطه ويدمر طموحه حتى يفشل أم ببلاد الغرب يظلون وراء الفاشل يساندونه حتى ينجح، لذلك لم أقف أمام رغبة أولادي لأنهم محقين ، وطالبوا مني أن أذهب معهم ولكني رفضت أن أترك بلدي رغم كل ما تعانيه من جهل وظلم وفقر ، أردت أن أنقل خبرتي للشباب فهم المستقبل الذي أحلم بأن يتغير ونقضي على الجهل من جذوره وتنتشر الثقافة والمعرفة والعلم يزدهر لا نطمسه كما يفعلون الان.
قاطع حديثه وجود عسكري يهتف بأسمه :
-إلا تكترث للانذرات المتكررة يا عم حكيم ،لا زالت تشغل الطريق العام ، وقع على هذا الإنذار
التقط منه الدفتر وزينه بتوقيعه ثم قال في حزن وأسى:
- وهل الكُتب الآن أصبحت تشغل الطريق العام ،إلم يعد لوجود الثقافة في بلادنا دورًا لكي تتعاملوا مع الكُتب هكذا ، لو تعلمون قيمة كل كتاب
قاطعه بحدة هاتفًا:
- أنا أقوم بعملي وليس من شأني دور العلم ولا المعرفة ،كل هذه المسميات لم تخصني ،كما أنك لديك حيزًا خاص تتخذه مكتبة لك ،لما تخرج عن نطاق حدودك يا عم حكيم ؟
أنهى عمله ورحل وهو يخبره بأن هذا أخر أنذار وبعد ذلك سوف يتأخذ أجراء قانوني ضده ..
تنهد العم حكيم ونظر للشاب :
-علمت ما الفرق بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى يا بني ؟ أنه فرقًا واضحًا في الثقافة
شعر يحيي بالحزن من أجله وعقب قائلا:
- معك كل الحق يا رجُل الحكمة، كما أن أبناءك محقين في الهجرة، أذ وجدوا التقدير في بلادهم لما هاجروها ، اليوم أصبح الجهل يتفشى في مجتمعنا العربي بأكمله ، فالشباب ليس لديهم عمل إلا على منصات التواصل الإجتماعي ، يبحثون عن الشهرة والتريند وضياع العقول
خرج صوته منكسرًا:
تعلم يا بني، كان يقال منذ زمن ليس ببعيد أن مصر تكتب وبيروت تطبع والعراق تقرأ،
ولكن أين نحن الآن من كل هذا؟
لم نعُد نكتب ولا هذا ظل يطبع ولا ذاك عادَ يقرأ، فقد مضى عليه الزمن وتاه مجتمعنا وفرغت العقول وأجتاحتها التافهة منما زاد الفقر وفشى الجهل.
والعلم الشيء الوحيد الذي لا يضمحل وضعناه درجة ثانية وثالثة ورابعة، مجتمعنا الذي أخرج أحمد زويل، طه حسين ونجيب محفوظ ،ومجدي يعقوب وغيرهم من العلماء، أصبح اليوم يخرج لنا مؤدين المهرجانات، مجتمعنا الذي كانت تفوح منه رائحة النداوات الثقافية في كل مكان أصبح يعج بالتيكتوكر واليوتيوبر
كل هذا بسبب كثرة غياب العقول ، أقسم لك لو كان الجهل رجُلا لقتلته..
عقول غيبها الجهل ،المستقبل في خطر ،الثقافة تبدلت وسيطر الجهل على شبابنا ،أصبحوا يسلكون طريق الشهرة والنجاح الكاذب ، إبهار مزيف، مزعوم منبهرين بالموضة وارتداء أحدث الصيحات ،يستغلون سذاجة الشباب لكي يلهونهم عن ثقافة بلادهم وحضارتها العريقة ، نجحوا في محاربة شعبنا عندما طغى الفقر على بسطاء الناس ،حاربوا مستقبلنا بأشغالهم بغياب الضمير ،غياب العلم ،غياب المعرفة .
إذ أردت أن تحارب شعب ،أطعن في رجال الدين ،رجال العلم ،يفشل مجتمع بأكمله ، الإحباط الذي تملك من الشباب والفشل يصلهم للانتحار والخلاص من الحياة
أكبر عدو للإنسان هو الجهل وليس الفقر ، لولا وجود عقل مفكر يستطيع التدبر والتفكر في إيجاد مشروع ناجح يسعى لتطويره بعقل واعي مُدرك، مُثقف ،لديه خبره قادرًا على قتل الفقر داخله بالوعي والثقافة اما أذا أستسلم للفشل والإحباط وانعدام المعيشة سوف ينتهى به الحال ليلقى مصرعة من أعلى الكوبري
صدق الشاب على حديثه وقال موكدًا:
- تعلم أن كل شيء أصبح مُتاحًا الان داخل أسوار الجامعة، الشباب أو الفتيات يوثقون كل ما يمر بيومهم من خلال عدسة الكاميرا الخاصة بهاتفهم ،لم يعد لديهم خصوصية ،يوجد أنتهاك لخصوصيتنا ،يتداولون الفضائح علني على المنصات دون خجل ، يرقصون ويهللون داخل حفلات التخرج ، كل شيء أصبح مُباح دون وعي أو رقابة، غابت العقول حقًا وازداد القبح والتعري والتقليد الأعمى وكثرة الجرائم والبلطجة ،العشق الذي تحول لنقمة وعنف يستغله الشاب ضد الفتاة التي ترفضه يتملك الانتقام منه ويصبح قاتلا أو مغتصبًا أو خاطفًا ، مُجرم يلجأ لأعمال الشغب والترهيب لانه دون وعي ، يُقلد ما يراه بالافلام الهابطة ،يولد داخله قاتل محترف ،عضوء فاسد في المجتمع يجب بتره لتطهير مجتمعنا
ردد بصوت شجن:
- أخشى على ضياع المستقبل بتلك الأفعال الطائشة ،التافهة ،أود أن أسقي كل شاب وفتاه من العلم ، لو كان بيدي لرويتهم من بحور المعرفة، أريد ثقافة،رسم حياة جديدة حياة أدبية ثقافية مملوءة بالادب والقراءة والعلم والمعرفة، أتمنى حياة لها نظرة وعمق فلسفي اريد ان يحصد المجتمع ثروة معرفية من كل الادباء واخذ منهم دروس أدبية وثقافية، اريد البحث وكثرة المعلومات لدينا اريد الالمام على كل ما نستطيع الوصول له بايدينا وعقولنا،أريد كل ذلك واكثر، تعليم جيلا جديدا واعيًا مثقفًا ،نبدء بتغير المؤسسة التعليمية
تعلمنا بأن مادة التربية الإسلامية لا تُضاف للمجموع ولن تتسبب في الرسوب حينما لم نجتاز درجة النجاح ،وتعلمنا أيضا عندما كبرنا أن أهمالها أسقط أمة بأكملها ، ماذا تنتظر من مؤسسة أول ما تنشأ عليه الطفل هو عدم الاهتمام بدينه ، ثم نأتي بعد ذلك ونقول جيل فاشل عديم الاخلاق والمبادئ... لا ليس جيلا فاشلا وأنما الفشل الحقيقي جاء من المنظمة الأساسية ،من المدرسة من المؤسسة التعليمية والمنظومة بأكملها التي فشلت في تقويم الصغار على وضع مبادىء وقيم ناجحة وهادفه من تعليم متكامل ينمي داخل عقول أطفالنا أسلوب العلم والمعرفة والثقافة وحب القراءة والكتابة ، ليست القراءة رسومات ننقشها ولا الكتابة الأبجدية العربية فقط وأنما القراءة هو التمعن بكل ما نقراءه ونبحر في معرفته ،ننقاشه ونتوغل داخل عوالمها الخفية ونلم بها ونستمتع بكل سطر من سطورها،يقال البعض بأن القراءة أحدى مفاتيح السعادة وأنا أجد بها كل السعادة
بإمكانك أن تدور العالم كله دون أن تخرج من بيتك، بإمكانك أن تتعرف على الكثير من الشخصيات الفريدة دون أن تراهم، بإمكانك أن تمتلك آلة زمن وتُسافر إلى كل الأزمنة رغم أنه لا وجود لهذه الآلة الخرافية، بإمكانك أن تفعل كل هذه الأشياء وأكثر عبر شيء واحد فقط هو القراءة، الذي لا يقرأ لا يرى الحياة بشكل جيد. الكتاب نافذة نتطلع من خلالها إلى العالم. إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب. إن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق، ولا يمل، ولا يعاتب إذا جفوته، ولا يفشي سرك.
❈-❈-❈
كانت منغمسة بقراءة الكتاب الذي يحتوي بين دفاته على دواخل النفس البشرية ،فهي العاشقة للقراءة حتى النخاع ، هذا ما يجعلها تنسى تعب يومها وأرهاقها بين مكتبها والمحكمة ،تجد ملاذها بين صفحات الكتب ،وبعدما أنتهت من قراءته تبسمت بهدوء وداخلها أصرارًا على الجزء الثاني من تلك السلسلة التي زادتها شغفًا، نهضت عن مكتبها وفي قرار نفسها بأن تذهب للشخص المناسب التي ستجد عنده هذه الكتب ثمينة الفكر ،سحبت حقيبة يدها ثم غادرت المنزل بخطوات حثيثة عازمة على السير إلى وجهتها بعد أن أستقلت سيارتها تقودها إلى حيث ذكرى ليست بالماضي البعيد ولكنها أيامًا لن تستطيع نسيانها أو محوها من ذاكرتها .
عرجت بسيارتها الفارهة داخل الحي البسيط التي لا زالت تتذكر شوارعه الضيقة، صفت سيارتها بمكان خالِ فلم تستطيع السيارة السير في ذلك المنحني المؤدي إلى وجهتها ، ثم ترجلت منها تخطى خطواتها في خيلاء وثقة ،تستنشق رائحة القهوة التي تفوح من المقهى القابعة بمنتصف الحي، تستمع لهمسات الرجال الجالسين بأحدي المقاعد الخشبية يلعبون الدومنة ويهللون بعفوية ،تبسمت بهدوء وأكملت سيرها ذاهبة إلى تلك المكتبة القديمة التي لن تنساها حتى الآن ،رغم أنشغالها بعملها وألهاءها في دومة المحاماة وصراعات الناس التي لا تنتهي ،توقفت مكانها تضيق بعينيها مندهشة من أغلاقها ، فتلك المكتبة الوحيدة داخل القاهرة التي لم يُغلق بابها يومًا كما أخبرها عمها من قبل .
أعتر وجهها علامات القلق وظلت تجول بمقلتيها هُنا وهُناك باحثة عن أحد المارة تعلم ما مصير تلك الأبواب المغلقة ، وجدت فتى المقهى يقترب منها يتساءل عن سبب وقوفها ،وعندما أخبرته بحقيقة وجودها بهذا الحي ، همس لها الفتى بحزن وأفصح عن ما فعلته الشرطة مع العم حكيم مالك المكتبة، شعرت بغصة مريرة داخل حلقها وعادت إلى حيث أدراجها تستقل سيارتها عازمة على مُساعدة هذا المُسن الشغوف بالعلم والمعرفة..
❈-❈-❈
نظرة فاحصة تبدو كعدسة المجهر وهو يدقق عينيه الصغيرتين أثر أنكماش التجاعيد التي حُفرت على ملامحه، يرى الزنزانة المكتظة بالشباب والرجال بأعمارهم المتقاربة فيبدو أن كل شخص لديه حكاية يغوص بها داخل سراديب عقله، جلس بوهن وهو يطالعهما ثم أخرج تنهيدة عميقة،شاردًا بذهنه إلى أعوام مضت
شعور بالاختناق أصابه وهو يرمق الشباب حوله بقلة حيلة وعقله يجول بينهما ويتساءل داخله هكذا أصبح حال شباب المستقبل الان يجلسون داخل السجون مكبلين الأيدي والفكر ،عقول تائهة مغيبة ،ما مصير هؤلاء الشباب وما الذي أوصلهم لهذا المكان الخانق الذي يسلب الروح ويضيق النفس المُعذبة داخل أساوره الحديدية،ود لو أنتهى ذلك الكابوس وعاد إلى عالمه الهادئ بين كُتبه وأوراقها التي تنعش رائته بالهواء العليل والرائحة الذكية ،داخل جدارن مكتبته الصغيرة يبحر بفكره لعنان السماء ويغوص داخل قاع البحار بين دفات الكُتب يهوى العالم الملئ بالإثارة والمعرفة يذهب من هذا لذاك بلهفة طفل صغير مُقبل على الحياة بحب وفضول لمعرفة كل ما هو جديد عليه هكذا كان حاله بين عشقة الذي لا ينتهي ولن يتبدل مهما ولت عليه الأعوام ، الان يجتاح صدره حالة من الاختناق ،غير قادر على التنفس بعد رحيله عن عالمه الخاص ، نشلوه من جذوره ونزعوه بكل قسوة من أرضه ليكون مصيره تلك الأرض الجرداء وارغموه على التأقلم والتعايش رغما عنه .
بذهن شارد يحدق هنا وهُناك لم يجد نفسه بهذا الظلام المخيف ، هو يعشق النور والعلم الذي أنار عقله على أفاق الحياة وسبب سعادته ومنارة العقل من دياجير الجهل، يبغض الجهلاء ناقمًا على حال الشباب اليوم .
سجنوا الحكمه وغابت العقول في تية الحياة ،أنتهكوا حرمتها وأضاعوا رشدها وفكرها ،ساد الجهل و التافهة جالت بين الناس تتوغل وتبحر في شتى أنحاء البلاد لم تنقشع شمس الصباح فقد غامت السماء بعتمتها الكاحله ، ظلام لم يأتي بعده نور، أوصدوا الحكمة داخل صناديق مُغلقة حبيسة والجهل ينتشر ويعم بقاع الأرض ،نجحوا في أرتداء ثوب الكذب وأخفاء الحقيقة لتظل عارية.
قدسوا العقول الغائبة الضالة، يحاربون بعضهما بالجهل لا بالنجاح ، ليس كل ناجحاً مجتهداً ، ولا كل نجاح ذو قيمة.
ضاعت الأمم بسبب انعدام الاخلاق، والعلاقة بين العلم والأخلاق علاقة متكاملة؛ لاعلم بدون أخلاق ولا أخلاق صحيحة بدون علم يبصّر ويرشد لصواب وطريق الصحيح، والعين مبصرة للأخلاق.
الأخلاق والقيم هما الوعاء، الحافظة والراعية للعلم وتترتب على اقتران العلم بالأخلاق آثار إيجابية تعم الأفراد والمجتمعات.
مجتمعنا ينقصه اخلاق حميدة ترشد الشباب وترسخ في عقولهم افكار ناجحة تقوم نفسه ومجتمعنا ،لم تصلح الأمة إلا بإقامة الدين وعودة الاخلاق والتنقيب داخل عقولهم وصب العلم والمعرفة بالقراءة والكتابة، العلم والمعرفة جزء لا يتجزأ من الاخر، دائرة مكتملة.
"القراءة جسر ينقلنا من البؤس إلى الأمل. بمجرد تعلُّم القراءة، ستكون حرًا إلى الأبد"
تذكر شريط حياته الذي عُرض أمامه كشاشة عرض وهو يتطلع بعينين حزينتين محدثًا نفسه :
-اصبحت هزيلا متهالكا، هبّتا من الريح قادرة على تحطيمي، تجعلني اتخبط يمينًا ويسرًا؛
رجُل تجاوز عمرهُ الستون، قضيت أكثر من عشرونَ عامًا منهم لا أفعل شيئا غير اللهو، ليس اللهو هو اللعب فقط فالجهل لهو والركض وراء المال بدون هدف لهو، العشوائية لهو، ونحن دائما في لهو ونظن أننا على خطً مستقيم.
عشرونَ عامًا في حرية الجهل_ نعم اقول حرية الجهل_ فالجاهل حرًا
أما بعد العشرين تلقيت لطمة الواقع ابواي قد تركوا الدنيا تركوني دون أن يعلموني كيف أكون وحيدًا
ولأول مرة أتلقى دروسا، ولكنها دروس الحياة القاسية.
كُنت حينذاك الهو، أصبحت أُعاني منه اليوم
شابًا مثلي ماذا يعمل وهو جاهل لا يفقه شيئا عن العلم
جرفتني موجة الحياة من عمل لعمل أخر ، ظللت أبحث عن ذاتي الضائعة من مكانًا لآخر لعلِ أجد نفسي .
عملت ميكانيكي وبائع جرائد وعملت أيضا في توصيل طلبات المنازل،
إلى أن وقعت يومًا في شباك مع أحد العاملين معي وسحبت على قسم الشرطة وتم حجزي انفرادي ومن الواضح أن شخصًا كان جالسًا هنا بالأمس، فحينما ولجت الزنزانة تصادمت مع كتابًا غير لي حياتي،
حيث التقيت مع عملاق الأدب، في كتابه "أنا سيرة العقاد"
وأول ما أثرني في الكتاب المقولة التي تقول:
"عباس العقاد كما أراه — بالاختصار — هو شيء آخر مختلف كل الاختلاف عن الشخص الذي يراه الكثيرون من الأصدقاء أو من الأعداء … هو شخص أستغربه كل الاستغراب حين أسمعهم يصفونه أو يتحدثون عنه، حتى ليخطر لي في كثير الأحيان أنهم يتحدثون عن إنسان لم أعرفه قط، ولم أَلْتقِ به مرة في مكان."
فاصبحت منذ ذلك اليوم أبحث عن نفسي وسط الكتب وسط الأدباء والفلاسفة،
أصبحت سجينًا لمكتبة بها كل ما لا يختر على بال أحد من الكتب، أصبحت اقرأ في الأدب والفلسفة أصبحت مطلع على كل شيء، أصبحت أبحث وأبحث مثل نباش القبور.
عملت وكبرت وتزوجت وانجبت وربيت وما زلت أبحث وانبش قبور الفكر.
والآن صرت سجينًا، وعزائي هو حبي لهؤلاء الأدباء والفلاسفة، أنتقل من كتاب إلى كتاب مثلما يتنقل إنسان بألة زمانية من عصر إلى عصر، أصبحت أسير.. سجينًا للكُتب، سجينًا لمكاني الذي أخترت أن أكمل فيه باقي عمري، أصبحت سجينا للحكمة.
أنا لا اناسب هذا العالم، لا يوجد شيء ولا أحد يُرحب بي في هذا العالم؛
العالم اصبح حلبة مصارعة وليس كأي مصارعة إنها الثيران بلا عقل ولا رحمة مصارعة بلا حكم ولا قوانين قد قُتل الحكم في إحدى جولاتها، ومن يكسب الكل يظن نفسه أنه الرابح، الغني يظن أنه انتصر بماله والقوي يظن أنه انتصر بطاقته أو بنيانه، وصاحب السلطة يظن أنه يتحكم في خيوط اللعبة ويتحكم في كل هذا العالم.
ويجلس الفقير مُتفرجًا ويظن أنه المُنتصر بالنظر لهذا التصارع ولا يعرف أنه اكثرهم خسارة،
ثم تأتي عاصفة وتضرب بهم جميعًا عرض الحائط.
قد ادركت هذا وأنا جالس الأن انتظر تلك العاصفة فمتى ستأتي ؟!
أتته نوبة سُعال شديدة وتورد وجهه بحمرة قظة ، وضع كفيه يلامس عنقه في محاولة لاستنشاق الهواء النقي ولكنه لم يجد رائحة الكُتب، أنتعاش صدره وزفير روحه ، أزدادت نوبة الاختناق وأغمضت العينين الضيقتين بعد أن ذرفت الدمع على لحظاتها الأخيرة، روحه وهي تصارع الموت بهذا المكان بعد أن عاش طوال عمره يتنقل بين صفحات الكتب يشتم رائحة الورق التي تنعش رئته ملاذه وصبره على مُعاناة الحياة، هكذا ينتهي به الحال فقيد روحه بعد أن أنقطعت أنفاسه عن عشقه الذي يسري بدماءه، وصعدت روحه إلى بارئه في سلام وهدوء ..
"سقطت الأخلاق ورحل العلم عن هذه الحياة ,غابت المعرفة في متاهة الطريق، فهل سنجد طريقا أخر نسلكه للوصول إلى العالم النقي الخالي من شوائب أفعاله، عالما خاليًا من اليوتيوبيا.. بلا شر او حقد أو نزاع على تفاهات الدنيا "
❈-❈-❈
وصلت جبران وجهتها مُتأخرة، كانت تتلهف لزيارة هذا المُسن التي نشأت على ثقافته المتعددة وحبه للقراءة التي تجري كجريان الدم في الوريد، لم تلتقي به منذ عدة أعوام واليوم قررت لقاءه والحديث معه كما كانت تفعل هي وعمها في صحبة هذا الرجُل الوقور ذى الحكمة والفكر الواسع ، صفت سيارتها أمام مركز الشرطة ،ثم ترجلت في عجالة من أمرها ،تسبقها خطواتها وأثناء مرورها لمبني القسم وجدت سيارة أسعاف تصطحب إحدى المساجين لمشفى السجن فلم تتطلع له بلا أكملت طريقها في ثبات ولكن تفاجئت بحالة من القلق والهرج داخل القسم وبعض الهمهمات التى تشيع بخبر وفاة هذا الشخص ، تسمرت مكانها وهي تتساءل عن وجود العم حكيم ولكن كانت الصاعقة التى عصفت بكيانها وارتخى جسدها لتجلس بأقرب مقعد لم تعد قدميها قادرة على حملها فقد نبش عقلها بصندوق ذكرياتها...
في غضون دقائق جاهدت في الصمود وكفكفت دموعها ثم استقامت واقفة تتحدث مع احدى العساكر تريد مقابلة الضابط الذي تولى أمر التحقيق لإكمال هذه القضية الخاصة بالعم حكيم وأقسمت على أظهار أحلامه للعلن وسوف تثبت براءته فهو ليس بشخص مُذنب وأنما هو قدوة لأجيال لن تطمس هويته وسينال ما يستحقة من تكريم وحتى إذ كان فارق جسده الحياة، ستبقى روحه داخل القلوب وصدى صوته يزلزل العقول فلسانه الفطن وعقله الرزين ورجاحته في حسن الإلقاء لن تدعك تنسى هذا الرجُل مهما ولت الأعوام فتبقى ذكراه حية لن تموت ولن تنتهي أو تتبدل على مر الزمان .
قرأت "جبران"ملف القضية وعلمت بكل شيء وظلت ساهرة الليل تدون مرافعتها في الجلسة المنتظرة.
❈-❈-❈
مرت الايام ببطء إلى أن جاء الموعد المحدد للجلسة الخاصة "بالعم حكيم" رحمه الله، وخلال تلك المدة تواصلت مع أحدى أبناءه بعد وفاته لكي لا تنقضي الدعوى الجنائية فهي تريد أن تظهر حقيقة هذا الرجُل الذي يستحق الثناء بوفاته خسرنا الكثير .
يوم المُحاكمة..
كانت مُتحمسة للغاية رغم وفاة مؤكلها إلا أنه يستحق أن تثبت للجميع بأنه كان على صواب يُريد ابدال حياة الشباب وكان يسعى جاهدًا في مُستقبلًا أفضل لهؤلاء الشباب اللذين راحوا ضحية الجهل ومُجتمع فاسد وعقول مريضة.
دلفت لقاعة المحكمة وهي مُرتدية روب المحاماة وتحمل بيدها ملف القضية وعندما رفع الحاجب صوته مُناديا على رقم القضية، وتقدمت بخطوات واثقة من هيئة المحكمة الموقرة وافصحت عن هويتها بأنها المحامية الخاصة بموكلها "العم حكيم" وقدمت شهادة وفاته ووقفت تُدافع عنه بكل ثقة وحماس فهي قضية بسيطة ولكن بوفاة صاحبها تسلطت الأضواء عليها منما جعلت الصحافة تبرزها للاعلان .
-أطالب من هيئة المحكمة الموقرة بأن تنظر بروح القانون للمُسن الذي خسر كل ما يملكه على مدار أعوام عمره وهو قابع بين كُتبه داخل مكتبته ونيسه وملاذه الوحيد في هذه الدنيا، حيث كان يفكر دائما في بناء عقول شباب الغد اللذين هم أمل المستقبل في أحياء مجتمع راقي مُثقف يمتلك من الثقافة والتعليم ما يجعلهم كوادر بالمجتمع الذي نعيشه اليوم، مثال لإحياء العلم والمعرفة فمن دون علم لن نجد شبابًا ناجحًا ومن أجل كسب المعرفة لابد وان يمرون بمرحلة تعليم ناضج وصالح لبناء الأمم، كرس العم حكيم حياته في سبيل البحث عن حلول ينفع بها الاجيال القادمة وفضل ان يترك لهم أثر لا ينسى ابدا واختار لذلك الكتب الثقافية والعلمية المترجمة بعدة لغات وفي جميع مجالات الحياة من علوم وتاريخ وثقافة الشعوب وروايات عدة لكبار العظماء، لم يقتصر على مجال معين ولكنه كان يبحر في بحر العلم والمعرفة الذي لا ينتهي مهما كبر به العمر وعتى عليه الزمن، رحمة الله عليه كان مثال لخير عظماء الأمم رغم بساطة واسلوبه الهادئ كان الاب الروحي لشباب كثيرة نشات على حبه للقراءة والكتابة والثقافات العديدة التي كان مُلم بها، مثال الشرف والنزاهة، كان يُحارب الفشل بالنجاح، كان حزينًا على ضياع الشباب دون تربية وعلم وأخلاق فقد ضاع الكثير من الشباب بسبب عقول من حولنا لم يجدون رادع لهم عندما كانوا يخطئون، ضاعت التربية وضاع التعليم أصبحنا نواجه مشاكل عديدة بسبب أنحدار الأخلاق وكل من سولت له نفسه وهو يرا نفسه أصبح شابًا يافعًا يتطاول على مُعلمه بانه لم يخافه او يهابه ويشهر سلاحًا بوجه المعلم ولن يجد رادعًا، الشباب اليوم دون رقابة على تصرفاتهم، ٠منهم من يتخذ الحب وسيلة لإظهار قوته وعندما ترفضه الفتاة بسبب سوء أخلاقه ينهال عليها بالطعن والقتل، من المتسبب في وصول الشباب لهذا الحد من الجرائم؟
اخبركم يا حضرات المستشارين أن المتسبب في ضياع شبابنًا وضياع أمتنًا هو التعليم لو كان الشاب حقًا على وعي كافي ومُدرك لافعاله يمتلك قدرًا من التربية والأخلاق الحميدة التي زرعتها به عائلته ومدرسته التي تعمل جاهدًا على أحياء التعليم داخلها وتحفيذ الشباب على تنمية عقولهم ومواهبهم في إخراجها والتعليم كان على أكمل وجه لما ضاع شبابنًا وكثرت قضايا القتل والسرقة والتحرش والاغتصاب.
اعتذر عن تطرقي لعدة أمور ولكنها في ثياق قضيتنًا التي نواجههًا اليوم انعدام الأخلاق والضمير، أنحدار العلم والتعليم، لا رقابة على شيء، اطالب اليوم بقانون رادع على عقول شبابنًا وأن نجعل عليهم رقيبًا داخل مدارسنًا وبيوتنًا وان كل اب راع ومسئول عن رعيته وكل مسئول راع ومسئول عن رعيته وكل مُدرس راع ومسئول عن أخراج لمجتمعنًا شباب ناجح ومثقف، أطباء ومحامين وعلماء ومهندسين وكوادر للمجتمع ان نحيي داخلهم الأمل من جديد في تحسين شأن المُعلم وعودة الثقافة والمواهب داخل مدارسنًا وعودة المكتبة داخل المدارس والجامعات لإحياء القراءة والمعرفة.
العم حكيم رغم كبر سنه لم يستسلم يومًا في البحث عن المعرفة في كل مجالات الحياة كان نموذجًا نفتخر به وراح ضحية و قضى على حلم المُسن وهدم حياته أمام اعينه ، لم يستعب العم حكيم اقصاءه بعيدا عن كُتبه ومكتبته ، حطم اخر امل لديه وتوفاه الله بسكتة قلبية عندما رأ حلمه تحول لسراب وأصبح كومة رماد.
استمع القاضي لكل ما تفوهت به "جبران" واصدر حكمه في القضية التي أمامه، قرار بتخليد أسمه على مكتبة خاصة بهيئة الثقافة وأنهى القاضي كلماته قائلا بتأثر:
-القانون لا يستطع أن يصدر قانونًا خاصًا بالتربية والتعليم ولكن سنحاول جاهدين في البث في أمر التعليم من جديد، حقًا لقد كثرة الجرائم ولن يوجد رادع لكل تلك الجرائم التي نراها يوميًا وكل مرتكبيها من الشباب وراح ضحاياهم أيضًا من شبابًا واطفالا وكبار..
أغلقت جبران دفترها بعد أن دونت داخله ما يشغل تفكيرها:
ما زلنا نتساءل داخلنا من المُتسبب في كل هذا الذي نواجهه و نعيشه داخل مجتمعنًا العربي.؟
هل حقًا عقول غيبها الجهل؟ أم غاب عنها الضمير ليسود الفساد في كل ما نعيشه اليوم..
تمت ..
قصة قصيرة
سجين الحكمة
فاطمة الالفي

تعليقات
إرسال تعليق
اترك لنا تعليقًا ينم عن رأيك بالمحتوى