القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

رواية المال مقابل القلب الفصل الأول لهاله الجمسي

 الفصل الاول 


وضعت زاهية صينية الافطار على المائدة المستديرة في رفق شديد، ثم أطلت برأسها  حتى  تنظر من زواية الباب وأشارت إلى زوجها قائلة:

ـ تعال بص يا عوف ٠

أقترب عوف  وقف خلفها تماماً ثم قال في لهجة تساؤل:

ـ في أي؟! 

هتفت زاهية في ضجر:

ـ في أي يعني اي؟ سيدك كارم مهموم ومشغول الفكر كمان، البية شكله مش تمام٠

أطلق عوف زفرة غيظ ونظر الى زوجته بلهجة تحذير وتابع:

ـ  وماله سيدك كارم يا بت؟ ما هو زي الفل اهو؟ وبعدين يا بت يا اللي دماغك مش مريحاك أبداً هي دي عادته، يقعد في الفرانده كدا ويطل على البلد كلها ويسرح في ملكوته، انت يعني هتجدي عليه؟ عشرين سنة في الثريا بتاعته، عشرين سنة واحنا عارفين عاداته، اي في اي؟ عايزة تعملي ل نفسك قصة وحكاية تسايرني بيها ولا اي؟ 


اشاحت زاهية بيدها في عصبية شديدة، ثم رفعت طرحتها السوداء على رأسها حتى تخفي بضع من خصلات شعرها وقالت في لهجة توحي بنفاذ الصبر:

ـ يا راجل يا اللي معندكش بتمن نكله احساس، سيدك حطيت الاكل قدامه ساعة كاملة ورجع تاني زي ماهو انت اي؟ مش واخد بالك من نظرة عينيه و الحزن اللي عشش فيها؟ 

نكث عوف رأسه في الأرض دقيقة،ثم نظر إلى صينية الافطار وتابع:

ـ أنا قلت يمكن مشغول في موضوع مشروع الخير اللي بيعمله في البلد ولا دماغه مشغولة في حسابات اراضيه، أو المصنع بتاعه، قلت يمكن الحسابات معصلجه معاه٠

هتفت زاهية في حزن:

ـ ارض اي وفلوس اي ومشروع خير اي يا راجل؟ سيدك مغموم ومهموم، بقولك اي أنا خايفة اوي ل يجراله حاجة، لو فضل كدا مانع الاكل والهم  في دماغه رايح جاي، يبقى  نستنى اي؟ 

هتف عوف وهو ينظر لها في تفكير:

ـ طيب أنا هروح اتحدت وياه٠


أمسكت زاهية بيد عوف في حزم وقالت في لهجة توبيخ:

ـ تكلم مين في اي؟ يا راجل افهم بقا، سيدك عمره ما هيتكلم ولا هيقولك ولا لأي حد غيرك ع اللي في دماغه٠

ألقى عوف نظرة  نارية  على زوجته وقال:

ـ يعني غرضك اي من دا كله؟ 

في حين تابعت هي وهي تغلق باب المطبخ :

ـ عارف سيدي كارم اللي مضايقه اوي كدا؟ 

هز عوف رأسه علامة النفي في حين تابعت زاهية وهي تنظر له بغيظ:

ـ البهوات الصغيرين، عيال عياله اللي بقالهم شهور وشهور ميعرفوش عنهم حاجة،سيدك كارم محتاج لهم، مشتاق لهم، بس عايزهم هما اللي يطلو عليه، من غير ما هو يتصل ويقول لهم تعالوا شفوني يا اللي طلعت بيكم من الدنيا ٠


ظهر على وجه عوف علامات الحزن العميق ثم تابع وهو يشير بيده علامة الموافقة:

ـ اي صدقتي يا زاهية، دا احنا داخلين على ست شهور أهو و مشفناش  ولاد ولاد سيدك كارم، فريد بيه ولا الست سيلا  بس انا بقول يمكن مسافرين، ما هي الست سيلا أمها  من امريكا  وممكن تكون راحت لها، وفريد بيه زي ما انت عارفة شغله كتير اوي في مصر شغله كبير اوي٠

أغمضت زاهية نصف عين  في لهجة عدم رضا وقالت:

ـ الست سيلا ازاي يعني تروح  لأمها امريكا؟ دا الخواجايه أمها سابتها هنا بعد ما جوزها مات ولهفت الفلوس شيء و. شويات من سيدك كارم، ورث جوزها نقدي وكمان تنازل عن الست الصغيرة،  وسابت له الست الصغيرة وهي يدوب عشر سنين، ما هو سيدك كارم خاف عليها تبقى خواجايه هي كمان وتنسى  ابوها وتنسى اهلها،  وسيدك كارم علمها أحسن علام  في  مدارس مصر و اتخرجت وقعدت هناك علشان سيدي كارم  عملها لها شغل هناك في مصر، يبقا ازاي تروح لأمها الخواجاية؟ دا امها سابتها هنا من زمن الزمن،  وأقطع دراعي من هنا  لو مكنش الخواجاية اتجوزت هناك ونسيت بنتها،  يبقى هي ازاي تروح لها فجأة كدا؟ دا الست سيلا شالتها من دماغها و حساباتها واعتبرتها هي كمان ماتت زي ابوها٠


سادت لحظات صمت بين كل من عوف و زوجته وتابعت زاهية وهي تتحرك في إتجاه الثلاجة:

ـ هعمل عصير ل سيدي كارم٠

هتف عوف وهو يفكر:

 ـ سيدي فريد  خد شركة  أبوه بعد اتخرج من كليه الهندزة، اكيد الشركة. واخده وقته كله٠


تنهدت زاهية في حزن وتابعت:

ـ يا خويا بلا شغل بلا  تلكيك فاضية ، يعني ولو يوم جمعة وحيد كل اسبوع  زي ما الكون ساير يجو هنا يطلو في وش الراجل، هيخسرو اي؟ ما العربيات تحت أيديهم اشكال والوان٠


نظرت زاهية إلى الرف الخشبي المعلق على الجدار وقالت:

ـ ناولني شوية بسكويت احطهم جنب العصير يمكن ياكل منها شوية٠


وضعت زاهية البسكويت في طبق زجاجي ثم انتبهت فجأة إلى أمر ما فقالت:

ـ بالحق يا عوف انت مش معاك رقم سيدي فريد؟ 

هز عوف رأسه علامة النفي في حين تابعت زاهية:

ـ آة يا ني منك يا راجل آة، يعني رقم سيدك فريد دا مفروض معاك من زمن الزمن، هو احنا ضامنين الظروف فيها أي؟  كام مرة اقولك حط النمرة في ورقة وخليها معاك، بس اقول اي؟ مافيش فايدة فيك ابدا٠


رفع عوف يده مهدداً زاهية وقال:

ـ أنت يا ولية يا خرفانه، تعرفي أن الطلاق حلال فيك، أنا مش عارف اي اللي خلاني اتجوز واحدة اصغر مني بعشر سنين، ما كان كفاية بعد ما بدرية ماتت، اعيش سلطان زماني، جبت ل نفسي نكبة على دماغي ونحرة ف صدري، تعرفي يا حرمة لو نطقتي بكلمة بس تاني زيادة ل يكون طلاقك وراها٠


تنهدت زاهية في غيظ وقالت:

ـ الله يرحمك يا بدرية يا بنت خالي، يعني هو كان لازم توصيني على جوزك وعيالك قبل ما تموتي؟ 

أشار عوف بيده لها قائلاً:

ـ يا لا روحي شوفي سيدك كارم عايز اي تاني، وكملي توضيب، وأنا هروح  اشوف الأراضي والمناحل أحوالها اي؟ وحسك عينك تتحدتي وياه في أي حاجة؟ اوعي تفتكري نفسك من أهله يا بت علشان بيعطف علينا، احنا خدامين هنا وبس٠


وضعت زاهية العصير أمام كارم الذي  يجلس في الفرنده الكبيرة ممسكاً بمقبض  العكاز الذهبي ويحركه بيده في هدوء يمين وشمال وقالت في هدوء:

ـ أشغل لك الراديو يا سيدي؟ 

هز كارم رأسه علامة الرفض، في حين قال عوف:

ـ تؤمر بأي حاجة يا بية؟ أنا رايح أطل على المناحل و الأراضي٠

أشار له كارم أن يمضي، ألقت زاهية نظرة شفقة على كارم، وما كادت تلتفت حتى تغادر  إلى الداخل، شاهدت سيارة على مسافة غير بعيدة فهتفت في سرعة :

ـ سيدي فريد، سيدي فريد جه٠


نهض كارم من مقعده واتجه إلى زاهية التي أشارت له قائلة:

ـ دي عربية سيدي فريد٠

وقف عوف في منتصف السلم يشاهد عن بعد سيارة تتجه نحو الثرايا في سرعة في حين 

تهلل وجه كارم بالفرح  وهز رأسه علامة الموافقة وقال:

ـ ايوا هو٠

هتفت زاهية في فرح:

ـ هروح افتح له البوابة٠


أسرعت زاهية تركض على السلم  و عوف يضرب كف ب كف من سرعة زوجته الشابة،  فتحت زاهية  البوابة الكبيرة في عزم شديد، وقامت على قطع ورد من الحديقة ونثرت الاوراق على الأرض وهي تقول:

ـ يا بشاير الفرح و السعد،  الحمد لله على الرزق الحلو ع الصبح٠


ما كادت سيارة فريد تدخل الثرايا حتى أطلقت زاهية زغاريد متتالية مما دفع كارم أن يهتف لها:

ـ كفاية كدا يا زاهية، الدنيا كلها عرفت أن فريد فهمي كارم جه ثرايا جده بعد غياب٠


ثم قال وهو ينظر إلى زاهية:

ـ ليك عندي مكافأة حلوة اوي يا زاهية٠

ثم نظر إلى عوف وقال:

ـ وأنت كمان٠


ما كاد فريد يهبط من السيارة حتى اسرع الخطى نحو جده مقبلاً يده له قائلاً:

ـ وحشتني اوي يا جدي٠

 تأمل كارم وجه فريد الذي يكاد يحاكي وجه والده وعمه الراحلين، ثم مد يده يتحسس وجه في حنان وشوق كبير، مثل من يصافح يد ابنيه الراحلين، لعله يطفيء نار الفقد التي لا تزال مشتعله في كل كياته، رغم محاولاته اظهار العكس ولكن مرارة الفقد لا تزال تضخ في حلقه وقلبه

أشار كارم إلى زاهية قائلاً:

ـ جهزي الفطار يا زاهية بسرعة ل سيدك فريد٠


تعليقات