القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

سكريبت معدية مريم بقلم الكاتبة ايمان صالح

سكريبت معدية مريم بقلم الكاتبة ايمان صالح

معدية مريم بقلم الكاتبة ايمان صالح

سكريبت معدية مريم بقلم الكاتبة ايمان صالح


سكريبت معدية مريم بقلم إيمان صالح 

بقلم الكاتبة ايمان صالح  

الكاتبة ايمان صالح 


معدية مريم 


عمري ماكنت برتاح للمكان دة، كنت بدخله بكل خوف بقدم رجل وأئخر التانية.. بس كنت مضطر أعدي من هناك كل يوم، طب إنت عمرك ياصاحبي عديت من مكان بتتقبض منه كل يوم؟.. لأ وكمان انت مضطر تعمل كدة عشان هو المكان دة وسيلة التنقل والوصول لمكان شغلك الوحيدة.. ولو مش موجود أنت مش هتعرف توصل لشغلك أصلا... 


إسمي سامي من محافظة أسكندرية .. سامي علي أو أبو سمرة زي ماأصحابي وأمي الله يصلحالها ويباركلي فيها بتناديني، ولأني بحب الإسم دة فاكلهم بينادوني بيه، خريج كلية العلوم جديد، المهم يعني إني بعد  مااتخرجت جديد، جه تعييني  في محافظة البحيرة، يعني لازم كل يوم أسافر بتاع ساعة بالقطر او حتى بالعربية..وإتعينت في معمل مرفق بمستشفى حكومي هناك وكان ميعادي أول مرة أروح الشغل وفضلت ألف هناك  وادور عشان أوصل لمكان الشغل وفين وفين لحد ماصلت لأقرب مكان من المستشفى.. وهناك، وقفت واحد ماعرفوش بس كان حارس مبنى من المباني الي قدامي ووقفت اسأله: 

_لو سمحت والله، المستشفى الحكومي اللي فيها مبنى المعمل هنا فين؟ 

_في البر التاني من الترعة دي.. أهي في وشك المبنى اللي واقف قدامك دة.. 

بصيت لبعيد على مد نظري ولقيت مبنى المستشفى في وشي، بس بيني وبينه ترعه أو مصرف بس عريض وواسع، بصيت للراجل اللي قالي على مكانها وقولتله: 

_طب دي أعديلها ازاي؟ أيه الوسيلة لهناك؟! 

_المعدية قدامك.. 

_فين دي؟! 

_هناك أهي.. 

شاورلي بإيده بعيد شوية عن مكان قاعدته ولقيت فعلا لما بصيت معديه راكده على وش المية.. سألته: 

_هي دي اللي هتنقلني؟! 

_آه.. 

_مافيش حاجة غيرها؟! 

_لأ يابو خالو، لو هتطلع من هنا يبقى هتمشي لحد بلد تاني ودي بعيدة عليك قوي، هي المعدية هي أقرب حل.. 

_طيب شكرا شكرا.. 

مشيت عليها عشان أركبها وببص يمين وشمال على أساس ألاقي اللي بيمشيها.. بس مافيش حد ورجعت تاني عشان أسأل الراجل.. 

_هو مين اللي واقف عليها دي؟! 

_ماحدش ياعم.. 

_إزاي يعني؟ أومال هعدي إزاي؟! 

_أنت اللي هتشدها بإيدك .. 

_أنا؟! إزاي بس؟ 

_من غير إزاي هي متوصلة من الشط للشط بسلك حديد وانت كل اللي عليك إنك هتشد السلك وتعدي هتلاقيها بتمشي لوحدها، وفي دقيقة هتكون هناك، بس عاود قبل الليل.. 

_شكراً يابلدينا، سلام عليكم.. 

وفعلا عملت زي مابيقول وركبت المعدية وفي ثواني اول مادخلتها حسيت بسقعة وبرد دخلت جسمي.. وكإن المية طالع منها تلج وطول منا راكب وأنا خايف لأني أصلا ماعديتش بالشكل دة مية قبل كدة، بعد ماعديت وخلاص جريت عالمبنى اللي المفروض هاخد منه مكان تعييني وفي إيدي جواب التعيين والواحد كانت الفرحة ماسيعاه صراحه، دقايق وكنت في المعمل وقابلت المدير بتاع الشغل اللي كان في منتهى البشاشة والكرم معايا.. ودة اللي حصل بيننا لما اتقابلنا: 

_ إتفضل ياأستاذ سامي أقعد.. أهلا وسهلا، أهلا وسهلا.. 

_أهلا بحضرتك يافندم.. دة جواب التعيين بتاعي والمفروض هستلم هنا.. 

أخد مني الجواب بص فيه ورحب بيا أكتر وبدأ بيننا النقاش: 

_نورت مكاننا ياأستاذ سامي، ياترى بقى حضرتك جاهزلنا ولا إيه؟! 

_آه والله، بس هو المشوار صعب عليا شوية بس مش مشكلة، إحنا قدها ان شاء الله.. 

_تمام ياسيدي.. وآدي إمضتي بموافقة وجودك اهي، كدة مش فاضل قدامك غير إنك بإذن الله تيجي دلوقتي معايا أفرجك عهدتك هتبقى إيه وزميلتك اللي هتستلم منها الوردية العصر هتسلمك كل ليلة بالجرد، يعني هتستلم بجرد وتسلم بجرد.. 

قاطعته: 

_آاا.. معلش ثانية واحدة! بالليل هتسلمني يعني انا مش هستلم غير بالليل وشغلي مش دلوقتي؟! 

_لأ ياأستاذ سامي إنت شغلك بالليل، الزميلات والآنسات بيبقوا الصبح، وأنت وبعض الزملا هتريحوا بعض بالليل وهكذا، فهمتني؟! وأظن بالليل هتبقى بالنسبالك حراسة للحاجة وللكشوفات وعشان كمان ورادي المستشفى الليلية ساعات بتيجي المعمل لما بيكون عندهم نقص في الموارد أو الأدوية او المستلزمات الطبية عموماً بييجوا يلجأولنا وبياخدوا بعض المستلزمات من عندنا  تمام كده؟! عموماً أنا معاك ان شاء الله هسيبلك رقمي وكل حاجه عشان لو احتجتني تقدر تتواصل معايا، وفي معاك الآنسة "سناء" هي اللي هتسلمك المعمل وهتستلمه منك.. 

_تمام.. جميل يلا بينا نشوف العهدة.. 

وطلعت معاه عالمكان اللي هستلمه من الأستاذة سناء وكانت شكلها بنت لطيفة ومؤدبة من هنا من البلد وساعة ماشافتني أبتسمت وقالت بذوق: 

_إنت الزميل الجديد؟! 

_آه انا.. استاذة سناء؟! 

_أيوة أنا، مبروك وظيفتك الجديدة.. مهما حصل ماتسيبناش بقى ونمشي زي الي قبلك والنبي.. 

وبدأت تلف وتقلب في كراتين فيها أنابيب خاصة بالمعامل جنبها وقاللها المدير: 

_ماتيلا ياسناء تشهلي كدة وعرفي زميلك الشغل.. 

_حاضر، وأنا بلعب؟! 

ميل عليها وقال لها حاجة ماسمعتهاش وطلع وسابنا وقاللي  وهو واقف عالباب  : 

_هسيبك معاها بقى وهي هتفهمك على كل حاجة وكدة ميعادك من بكره بالليل.. 

_تمام ياريس، بكره هتلاقيني هنا.. 

بصتلي سناءوهي بتدعبس في الكراتين وقالتلي: 

_إنت مالك مستعجل قوي ومتصربع  عالشغل كدة؟! شكلك حمار شغل من الآخر.. 

_والله الواحد لسه مخلص يازميلة وزي ماتقولي كدة عاوز أثبت نفسي.. 

بصتلي تاني وقالتلي ووطت صوتها كلمة بعدالتانية : 

_أممم،، هيبان يابني هيبان، دنتا بخت أمك سواد شكلك.. 

قلتلها: 

_انتي بتقولي أيه؟! أنا مش سامع حاجه.. 

ردت ببرود: 

_ماتشغلش بالك، المهم، ركز معايه عشان نلحق نجرد كل حاجة وبكرة تجيني بدري وكل يوم هتكون هنا الساعة٥المغرب كدة عشان انا بيبقى قدامي ساعة أجرد وأسلم  الحق النور وأروح.. 

_حاضر، هتلاقيني عندك قبل ٥كمان.. 

_تمام اتفقنا، يلابينا بقى؟ 

_يلا بينا.. 

وبدأنا نجرد المكان عشان تسلمني العهدة وفرجتني الحجات الأساسية والحجات اللي مش هتتجرد وكل الأشياء الموجودة وخلصت ومشيت زي ماجيت على اساس إن ميعادي هيبقى بكرة العصر .. 

وتاني يوم عالضهر جهزت نفسي بقى عشان أروح شغلي وأنا فخور بنفسي جداً ومقبل على الحياة وعلى ميعادي بالظبط أو قبله بشويه صغيرة كمان كنت هناك وإستلمت من سناء وفهمتني حجات كتيرة جداً في الشغل وسلمتني ومشيت.. وبعد مامشيت هي ودخل عليا المغرب.. بدأ المكان يبقى هِو وهدوء حواليا، أراضي كبيرة حواليا زراعية ومفيهاش طبعاً حد، الضلمة محاوطة مبنى المعمل من كل مكان ومافيش غيري تقريباً في المبنى لواحدي... ولما بدأ الليل يدخل علينا جعت جامد، وقمت أدور على مكان او حد يجيبلي أكل.. وربنا طلع بيحبني عشان لقيت راجل قاعد تحت عند باب المعمل، ولما شفته نزلتله عشان أسأله علي مكان نجيب منه لقمه، نزلت لحد ماوصلتله وساعة ماشفته.. حسيت بقبضه غريبة جداً ماعرفش ليه، بس قربت عشان أسأله ورد عليا بأسلوب ناشف، والكلام مابيننا كان بالشكل دة: 

_سلام عليكم، لو سمحت بالله عليك، معلش دي أول ليلة ليا هنا وجعان، لو ينفع بس تعرفني مكان اجيب منه اكل؟!

الغريب إن الراجل قعد يبصلي بإستحقار ومانطقش وخد بعضه ومشي من قدامي وساب راكية النار اللي قاعد قدامها والعة وماعرفش راح فين، معاملته معايا ضايقتني قوي، خصوصاً إن شكله راجل فلاح يعني مفروض أبو الكرم كله.. لكن معاملته معايا ماقالتش انه استلطفني خالص، ولا حتى أنا إرتحتله.. 

خدت بعضي ودخلت على جوه وانا متضايق وسمعت صوت تليفوني بيرن وجريت عليه عشان ارد وطلعت أمي، كلمتها: 

_ألو! أيوة ياروحي.. آه انا تمام والله زي الفل.. 

_كلت ياسامي ولا لأ؟ أنا عارفة ان زمانك جعان.. 

وفجأه وأنا بتكلم معاها وببص ناحية الشباك لقيت خيال عدى قدام شباك المعمل ، خيال لحد بس عدى هوا، ولما ركزت كدة ووقفت متنح.. لقيت مافيش حاجة وقطعني صوت أمي تاني وهي بتقول: 

_ألو؟!.. واد ياسامي؟ إنت رحت فين؟ 

_أء.. ألو ياقلب سامي؟ أنا اهو ياحبيبي أنا أهو.. 

_كلت ياولا ولا جعان ريح قلبي.. 

عشان أطمنها قلتلها: 

_ماتقلقيش ياأمي هتصرف النهارده، بس بعد كده انتي هتجهزيلي معايا أكل!.. آه ماليش دعوة دنا ميت من الجوع واقع.. 

_عنيا ياقلبي.. المهم إنت جايتك  الصبح إمتى بالظبط عشان اعمل حسابي عالفطار؟! 

_يعني ياأمي هكون في البيت بعد خروجي بمواصلاتي بكله كله.. ممكن  عالساعة ٦كدة أكون عندك.. 

_دانتا كدة بقى هتحتاج تنام طول النهار وتجري لشغلك بالليل. 

_فعلا ياأمي هو دة اللي هيحصل.. 

_ماشي ياحبيب أمك.. هسيبك عشان ماعطلكش.. 

_والله انتي مسلياني خالص.. 

_لأ انا هروح أنام وانت خلي بالك من شغلك وبطل لك.. 

_حاضر.. أقفلي كويس على نفسك، سلام.. 

قفلت معايا وبعد ماقفلت.. أقفل على صوت ضحك لحد بره وكل ماإنصت للصوت يسكت، قلقت وجسمي شاب من أول ليلة وطلعت بسرعة عشان أشوف ضحك مين، ولما ركزت في الضلمة لمحت هيئة واحدة واقفة بعيد وباين إن دة صوت ضحكها، ومرة واحدة ندهت عليها: 

_ببس.. ياااا آنسة؟!.. لو سمحتي بالله عليكي ممكن تعرفيني لو فيه بس مكان حد قريب من هنا بيعمل أكل؟! 

صوت الضحك إتكرر تاني وبدأت أمسك كشاف موبايلي وأوجه النور بالقرب منها، ولما بصيت لقيتها واقفة من ضهرها، ضهرها هو اللي ليا، لابسة هدوم مبقعة ومقطعة ولفت واحدة واحدة وهي بتلف كنت مرعوب من المنظر اللي مستني أشوفه، لكن الحقيقة.. إني بصيت لأجمل وش ممكن أكون شفته على كوكب الأرض، بنت جميلة جداً في سن ال١٩ سنة وشها أبيض وشعرها أسود وقصير وعيونها زراقها  عامل زي زراق البحور،ماسكة على دراعها قطة بيضا مون فيس ماتفرقش عنها في الشكل كتير .. لما بصيتلي سرحت في وشها لدقايق ولقيت نفسي بقولها: 

_ماشاءالله... تبارك الرحمن في خلقه.. 

ردت عليا بصوت رقيق بس اللهجة لهجة أهل البحيرة: 

_ياسيدي عاوز إيه؟! عاوز تاكل تعالى وأنا نجيبلك بس ماتتنحليش كدة، أنا مش ناقصة لابويا لو شافك وانت بتبصلي كدة هيظن غلط وانا مش ناجصة..

مديت ايدي وطوحتهم في الهوا وقلتلها: 

_لأ لا، وانا مش عاوزلك مشكلة، لو تقدري بس تدليني على مكان اكل يبقى كتر خير يااا، يامدموزيل إيه؟! 

_ماشي، هشوفلك تاكل.. 

بصت للقطة وضحكت لها تاني وهي بتلعب في شعرها وانا واقف بقول في سري للقطة يابختك، وخدت بعضها ومشيت وزي ماتكون خدت قلبي معاها.. شردت في ملكوت تاني وراها، معقول؟! معقول فيه بنات لسة في الأرض حلوين وبطبيعتهم كدة لسة؟!.. لأ مش ممكن، وقاطعني فجأة صوت غليظ لشخص لقيته معايا في الاوضة اللي أنا فيها فجأة وبيقولي: 

_الأكل أهو ، ولما تعوز حاجة أطلبها مني، بلاش البت عشان الدنيا ليل وماينفعش تغيب بعيد.. 

ورزع الأكل قدامي وسابني ومشي، وحتي ماخدش مني فلوس ولاقالي جاب الأكل دة منين وفتحت الكيسة اللي جابها لقيتها فلافل وعيش وبتنجان وجبنة وطماطم، عشا يعني بس جاب كل الحجات اللي بحبها وخد بعضه ومشي.. طلعت وراه عشان أديله الفلوس، بس كأنه فص ملح وداب، مالوش أثر لاهو ولا بنته، الصراحه من جوعي وحلاوة الأكل قعدت كلت وأنا نفسي مفتوحة، واللي كان بيميز الأكل أنه كان سخن مولع  وأنا أعز الأكل جداً وهو سخن، بعد ماخلصت أكلي وقمت عشان اعمل الشاي وفعلا عملت وقعدت أشرب كوباية الشاي.. غفلت وانا قاعد، ولقيت نفسي بسقط عالكرسي ومرة واحدة وكأني رحت في النوم عشان ألمحها تاني.. نفس البنت اللي شفتها برة وكأنها معايا جوة هنا، فتحت عنيا تاني.. مالقيتش حد وقلت لنفسي: 

_وبعدين بقاااا؟!  هو الموضوع حقيقة ولا حلم؟!.. هو فيه إيه بجد؟!

قمت من مكاني شغلت تليفوني على إذاعة القرآن الكريم، بس التليفون اللي على طول بيشغلهالي واضحة وسليمة.. حلف مايشغلها ربع ساعة على بعض.. قلت لنفسي بصوت عالي: 

_وبعدين بقااا؟!  طيب بسيطة.. نشغل سورة كاملة بدل الإذاعة.. 

مسكت التليفون وشغلت القرآن وإشتغل شوية لحد ماقعدت عالكرسي وإتطمنت... بعد وقت ماعرفش قد إيه بالظبط، قمت على منادية سناء زميلتي عليا: 

_ياسامي؟ ياأستاذ سامي؟ 

قمت بخضة كدة بتلفت حواليا وقلتلها: 

_هه.. مين أنااا؟!  

ضحكت وقالت: 

_هههههه، أهدى بس أهدى، فيه ايه مالك أنا سناء يابني.. 

_سناء؟! آه سناء زميلتي.. هي ااساعة كام دلوقتي  ياسناء؟! 

_الساعة ياسيدي داخلة على ال ٦ أهو  وانت ورديتك خلاص، يلا بقى عشان هستلم منك.. 

_ماشي تمام، يلا.. 

بصت للترابيزة اللي كان عليها بواقي الأكل بتاعي وقالتلي: 

_إيه دة إنت جبت أكل؟

_لأ والله، دي النااس الطيبين اللي برة هما اللي جابولي صراحة وحتى ماخدوش مني الفلوس كمان.. 

أول إنفعلاتها كانت بإنها بصتلي وسكتت وبعدين همهمت بشفايفها بينها وبين نفسها وقالت: 

_ناس!  ماخدوش فلوس؟! طيب بقولك ايه، ابقى بعد كده هات الأكل معاك من بيتكوا وانت جاي أفضل وماتطلعش يعني برة كتير لوحدك وكدة.. 

بإستغراب:

_دة ليه دة؟! 

قالتلي بتبرير: 

_ببساطة يابو الذكاء عشان العهدة اللي في المعمل ماحدش كدة ولا كدة يدخل يقلب منها حاجه.. 

_اه تمام ماشي حاضر.. 

بعد شوية كنا خلصنا جرد وأخدت بعضي وقتها وأنا خلاص بقى ماصدقت اني مروح وهرتاح، وفي نفس الوقت حاسس اني مش عاوز أمشي وأسيب المكان غير ماأعرف مين البنت اللي شفتها دي... تبقى مين هي وأبوها دة؟! وظهروا وإختفوا فجأة ليه؟! أنا لازم بالليل لما أرجع أعرف عنها أي حاجة لازم.. 

روحت بيتنا وزي ماكون كنت متغرب بقالي أيام وأول مالمحت السرير.. رحت في النوم على طول وفضلت أهلوس بحجات غريبة مش فاهمها، شايف قدامي بنت جميلة في سن١٩سنة واقفة بتتكلم مع شاب وهي بتعيط، والشاب بيبعد عنها وبيتكلموا وشكل الشاب متعصب .. المعديه.. اللي بيحصل في المعدية فظيع، هو إيه اللي بيحصل؟! ايه الحكاية! هو المكان مأثر عليا للدرجادي؟! لدرجة اني انام أحلم بالبنت اللي شفتها؟! أنا مش عارف مالي بس.. 

بصيت في الساعة لقيت الوقت خلاص فاضل عليه شوية والعصر يأذن وخدت بعضي وجهزت نفسي للشغل تاني بس قعدت أتكلم قبل مانزل مع ماما شوية لما دخلت المطبخ عشان آخد معايا شوية أكل ولقيتها قاعدة مستنياني أروح افضفض معاها قبل مانزل.. 

وقتها دخلت بوستها من جبينها وحضنتها وقعدت عالترابيزة وفضلنا ندردش: 

_قلبي ياناس.. أبو سمرة السكرة، عامل إيه أول يوم شغل ياحبيبي؟ 

بلعت اللقمة وراها بق شاي وأنا بقول: 

_الحمد لله ياماما بس تعبان ومرهق على متلخبط عالآخر والشغل بالليل دة زي مانتي شايفة واخد كل الوقت ومضيع النهار والليل.. 

_طيب ماتكلم المسؤول بتاع المكان يابني وهو يحطك بالنهار مكان الليل عشان ترتاح! 

_ياماما، ياحبيبتي بالعقل كدة،، أنا لسة متعين هروح أتشرط عالراجل من تاني يوم برده؟! وكمان مافيش حد غيري يستلم المكان بالليل.. تقريباً أنا المتعين جديد الوحيد هناك ولسة ناعرفتش الناس القديمة عشان نظبط مواعيدنا بحيث نبقى اتنين في المكان.. شوية بس كدة وانا هبقى أشوف موضوع النقل وردية صباحية دة لما أقدم شوية معاهم..

 

_ماشي ياحبيبي المهم انك تكون مرتاح سواء الصبح أو بالليل، أكلك أهو عشان ماتحتاسش زي إمبارح.. شحنت موبايلك؟ 

_اه والله كتر خيرك انك فكرتيني لاحسن امبارح الشحن خلص والبطارية ضعفت وكانت حالة.. 

سكتت وسرحت جامد وبسرعة بحاسة الأمومة بصتلي قالتلي: 

_فيه حاجه شاغلة بالك، إيه اللي بتفكر فيه ياسامي؟! اوعى يكون قلبك دق ٣دقات ياواد! 

_هههههه... والله العظيم انتي أم عسل، دق مين بس؟! 

_أومال مالك؟ عنيك مسهمة ليه؟ ماتتكلم هتتكسف مني؟! 

_لأ طبعاً اتكسف ايه؟! ياستي إعتبريها اه، قلبي بادئ يدق من امبارح للنهاردة، ماعرفش فيه حالة غريبة كدة مسكاني، سرحان وتايه وحلمت بيها.. هو كدة يبقى بحب؟ 

_لأ انت كدة لسة مبتدئ هههههه، في ليلة؟ تحب في ليلة واحدة؟ ماشي ياعم الله يسهله، دي زميله معاك ولا إيه؟! 

_والله يامانا لسة ماعرف.. بس هو فعلا فيه بنت جميلة قوي وانا شفتها بالليل وعجباني، لكن لسة لاعرفها ولا حتى إتكلمت معاها غير كلمتين تلاتة.. 

_خلاص إتكلم النهارده معاها وإدي لنفسك فرصة تعرف دي مين كويس، وبلاش تلعب ببنات النااس يابني، بنات الناس مش لعبة ياحبيبي.. يعني بمعنى أصح لو فعلا واحدة عجبتك خلى غرضك منها غرض سليم على طول.. 

_حبيبتي ياأمي.. ماتقلقيش أنا تربية إيدك انتي، ماتخافيش أنا بحط دائماً أخواتي البنات قدام عيني في أي تصرف بعمله، يلا بقى لاحسن هتأخر خالص، يااه؟ الوقت سرقني فعلا واتأخرت، يلا ياماما اقفلي على نفسك كويس.. 

_الأكل يابني خد العامود.. 

_اه هاتي هاتي، سلام... 

خدت منها الأكل وطرت عالشغل عشان ألحق في الميعاد وبعد شوية كنت في محطة القطر.. وبعد ماطلع القطر بشوية عطل في السكة.. بصيت في الساعة لقيت خلاص مافاضلش غير دقايق على ميعاد الشغل.. وبسرعة مسكت التليفون وإتصلت بسناء: 

_أيوة ياسناء أيه الأخبار؟ 

_انت فين ياعم سامي دة ينفع كدة؟!

_والله آسف أنا في محطة القطر أصلا والقطر اللي كنت فيه عطل والناس نزلت، فاقوليلي أتصرف أزاي دلوقتي؟ 

_بسرعة اطلع من المحطة وخد عربية من العربيات الجايه على هنا وأنا على فكره كدة ميعادي عدى ولازم أمشي حالا، الليل ليل عليا.. 

_طب أصبري إستنيني، أنا مسافة ساعة وجاي.. 

_لا ياعم.. أنا هطير أنا ماينفعش أفضل هنا بعد ساعة واحدة لوحدي.. دنا كمان لسة هعدي المعدية لوحدي.. 

_يعني خلاص ضاقت معاكي عالساعة دي؟ 

_دة على نص ساعة كمان، أنا خطيبي وإخواتي بيزعقولي لما بتأخر، عموما ماتقلقش أنا مظبطالك كل حاجة على جايتك والصبح كدة كدة هستلم منك.. 

_طب تمام خلاص، أشوفك الصبح.. 

قفلت معايا وهي مصممة ماتستناش لما اروح وكان كل همي إني ألحق شغلي عشان ماحدش هناك مكاني يستلم لكن اللي كان مريح قلبي اني اخدت نسخة لمفتاح باب  المعمل معايا منها بقت في عهدتي برده يعني هي كدة هتقفل وانا لما أوصل أفتح ومفيش خطر... بعد نص ساعة من الإتصال كنت خلاص قربت أوصل للبر بتاع المعدية وكنت وقتها راكب أوبر اللي وصلتني ودار بيني وبين السواق دردشة بسيطة ومن ضمن كلامنا لما وصلنا للمعدية: 

_إنت أية اللي جابك هنا يابني؟! دة المكان دة اسكت هس خالص.. 

_اللي رماك عالمر ياسطى، دة شغلي هنا عالبر التاني من المعدية.. 

_ليه هو انت شغال فين يابني؟! 

_في المعمل الملحق بالمستشفى الحكومي اللي هنا، أنا مسؤول المعمل بالليل.. 

_وماجتش تستلم بالنهار ليه يعني؟ 

_ياسيدي أصلي خريج جديد ولازم يبهدلوني بقى، أهو أحسن من مفيش خالص.. 

_اه.. دنتا كدة مافيش قدامك غير انك هتاخد المعدية! 

_أيوة فعلا هاخد المعدية بقى.. 

أول ماسمع مني الكلام دة وقف كدة قريب من المعدية وسألته: 

_هو انت مش هتقربني شوية ياسطى؟! 

_لا والله يابني هنا آخري أصل مفيش هناك نور، وانت كمان بعد كده ابقى تعالى بدري شوية عن كدة، الدنيا مابقتش أمان وماتنضمنش.. 

_إنت هتقلقني ليه بس؟ أتفضل شوف هتااخد كام طيب.. 


طلعت الفلوس وحاسبته وبعد مارماني على جنب.. طلع يجري بأقصى سرعة عنده، ومجرد هو مامشي لقيت نفسي واقف في ظلام شبه تام.. كل اللي منورلي المكان بتاع ركوب المعدية هو عامود نور على بعد أمتار من المكان، فضلت ماشي لحد ماوصلت للمعدية وحطيت رجلي فيها ولسة هشد الحبل المتوصل للبر التاني.. لقيت في قلبها حاجة شبه لمبتين سهاري لازقين في بعض في الضلمة ومركزة على وشي.. ساعة ماشفت المنظر اتهزيت، منا مش شايف في الضلمة ده ايه، ومرة واحدة اللمبتين دول اتحركوا لفوق لحد مابقوا طولي كدة وبدأو يتحركوا ناحيتي، وفجأه بحقق في اللي قدامي لقيت وش حاجة اللي بارز فيها أنياب،وبدقق جامد لقيته الراجل اللي كان مش طايقني امبارح.. ساعة ماظهر قدامي جسمي تلج وبدأت المية تطلع بخار بس ساقع، حرفياً مش مستوعب اللي انا فيه... الراجل ساعة ماشافني سكتت واتجمدت في بعضي راح مكلمني: 

_إزيك ياسامي بيه.. إتأخرت انت النهاردة.. 

_آااا.. الله يسلمك، صفيت دمي والله.. 

_لية بس يابيه، ههههه متبقاش خِرِع كدة.. نورت والله.. 

_الله يخليك ياسي! ياسي إيه صحيح؟ 

_عويس يابيه، أنا عويس العامل عالمعدية دي، معدية مريم.. 


_حلو اسم مريم بس أشمعنى يعني مريم؟ 

_على أسم البت اللي حيلتي يابيه، يلا يابيه وصلت، حمد الله عالسلامة.. 

بصيت حواليا، لقيتني بقيت في البر التاني بس مش عارف ازاي، أنا متأكد ان المعدية ماحدش فينا حركها من مكانها، ازاي وصلنا بقى؟ 

سألته بحيره: 

_إيه دة احنا وصلنا ازاي؟ انت ساحر ياعم عويس ولا إيه؟! 

قعد يضحك وبعدين سبته ونزلت وأنا فعلا هتجن بس كملت طريقي عالمعمل.. ولما وصلت.. لقيتها واقفة في نفس المكان اللي كانت واقفة فيه إمبارح بقطتها، بس المرداي لابسة فستان تحفة وشكلها نضيفة وجميلة وبرده واقفة بتلاعب القطة، لكن المرادي بصيتلي بصة عمري ماهنساها وقالتلي: 

_إتأخرت ليه يادكتور سامي؟ حمد الله عالسلامة.. 

_الله يسلمك يااا؟ مين؟ 

_أنا مريم، بنت عويس المراكبي، مش هوا لسة قايلك عالمعدية إنها على إسمي؟ 

إستغربت جداً وقلتلها: 

_الله؟ هو انتي عرفتي إزاي هو انتي كنتي معانا؟ 

ضحكت جامد وقالتلي: 

_لأ ماكنتش معاكوا بس طبيعي جدا عشان ابويا اللي نقلك النهاردة انه يكون حكالك حكاية معدية مريم اللي اتسمت على إسمي.. 

_آه، طيب تمام، انا هدخل دلوقتي ولو حابة تبقي تقعدي معايا يعني لو والدك يسمح ابقي تعالي.. 

كنت بكلمها وأنا مطلع المفاتيح وواقف بفتح والمفروض انها ورايا يعني وسمعاني ومرة واحدة أسمع صوت عم عويس في قفايا بالظبط  بيتكلم وراحت المفاتيح واقعة مني من الخضه  وهو بيقولي: 

_مش قلتلك انها بنتي الحيلة؟ مريم مابتخشش عند رجالة يادكتور سامي.. 

_إءء، بس، بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا ماقصدش حاجة على فكره بس أنا لقيتها واقفة عند الباب قولت بدل ماتبقى لوحدها في الليل يعني، هو انتو بيتكوا فين ياعم عويس؟ 

_بتسأل عن بيتنا ليه؟ 

_إممم مافيش يعني أنا قلت اكيد قريب من هنا يعني، فيها حاجة دي؟ 

_لا تمام، بيتنا بعيد عن هنا، بس احنا اغلب الوقت في المعدية.. 

_طب ياعم عويس، بعد إذنك بقى عشان زي مانتا عارف أنا متأخر النهاردة.. 

سبته ودخلت على جوة وقاللي جملة غريبة قوي 

_دة تاني تحذير ليك بخصوص مريم، التالت معاك مش هيبقى تحذير بس.. 

الكلمة خرمت ودني، أيوة أنا متأكد إن الكلمة خرمت ودني وطلعت بصراحه وأنا سانن سناني عليه وقلت هتبقى عاركة مع الراجل المجنون دة وزي ماتيجي تيجي، لكن الغريب إني لما طلعت مالقيتش حد أصلا، وطبعاً إترعبت.. هو فيه إيه في المكان الغريب ده؟ هو الراجل ده وبنته بيظهروا بمزاجهم ويختفوا بمزاجهم، أنا مش مرتاح، ومرة واحدة لقيت تليفوني بيرن وكان رقم سناء، بسرعة رديت عليها وقلت بالمرة أسألها في الموضوع دة.. بس ردها عليا شيبني أكتر وخلاني مابقاش عاوز أطلع بره المعمل خالص.. 

_ها.. لقيت كل حاجة تمام؟ 

_آه الشغل تمام، إستلمت وهجرد وكله زي الفل.. بس فيه حاجة كدة عاوز أسألك عليها، هو مين الراجل اللي إسمه عم عويس دة؟ وهي مريم تبقى بنته؟ 

سكتت خالص.. وبعدين ردت: 

_هو انت شفته فين؟ 

_كل يوم بشوفه ياسناء دي تاني ليلة.. 

ردت بتهتهه: 

_داا، داا راجل كدة غلبان يعني بتاع المعدية. مالكش دعوة بيه أهم حاجة ولا دعوة ببنته خلي بالك وحط الف خط تحت مالكش دعوة ببنته.. 

_إشمعنى يعني؟ 

_بيخاف عليها أكيد يعني.. بيخاف عليها ودماغه دماغ صعايدة وفلاحين، مش بنادرة زي حالاتنا يابتوع الأيامدي، خلاص سمعت؟مالكش دعوة بيهم خالص.. 

_آه خلاص سمعت، تمام كويس إني سألتك.. 

_فيه حاجة تانية عاوز تسأل عليها؟ 

_لأ تمام زي الفل كدة.. 

_تصبح على خير، شغل الراديو على أذاعة القرآن وخلص الشغل والساعة ٦ونص هتلاقيني عندك.. 

_تمام ياسناء، سلام.. 

قفلت معاها وشغلت الراديو فعلا ومسافة ماشغلته، ببص لقيت حد بيخبط من بره على إزاز المعمل ورحت أفتح لقيتها مريم ومبقتش عارف أبعدها ازاي ولا أخبيها فين من خوفي من أبوها وبدأت تبصلي وتقولي: 

_الراديو صوته عالي قوي، أنت جاي هنا عشان تطفشنا ولا ايه؟! 

_أطفشك؟ أطفشك منين وإزاي، وهو الراديو بالقرآن بيطفش؟ انتو عيلة غريبة على فكرة، وعلى فكرة ابوكي منعني من اني يبقى ليا دعو بيكي أصلا.. 

بصتلي بسُهد ودخلت على جوة وقفلت وراها الباب وهي بتقولي:

_الباب إتقفل خلاص.. مش هيشوفنا أصلا.. 

 بلعت ريقي وإتوترت وقلتلها: 

_هو انتي عاوزة ايه يامريم؟ 

قالتلي بجرأة: 

_عاوزة أقعد معاك لوحدنا، عادي يعني نتكلم.. 

الراديو من ساعة دخولها وفضل يعمل زي مايكون بيتحرق وفصل مرة واحدة وماعدش اشتغل تاني، ولقيتني بقولها: 

_دانتي شكل حكايتك حكاية جامدة.. 

ردت قالتلي: 

_مش حكايتي بس اللي جامدة، أنا كمان كدة، بس كله من أبويا مش سايبني في حالي أصلا.. 

قلتلها: 

_غريبة.. انا كنت الأول متعجب ابوكي خايف عليكي كدة ليه! بس دلوقتي فهمت كويس، دة حقه يقفل عليكي بجنازير بسرعة غضبت والملامح الأنثوية دي كلها إتحولت وقالتلي: 

_وليه يعني أفضل أتعامل على اني طفلة يادكتور؟ أنا بنت ومن حقي أحب وأتحب كمان.. 

لفيت بوشي للكراتين وبدأت أطلع بعض الحجات منها عشان أستلم وانا بقولها: 

_انتي؟.. هتصدقيني لو قلتلك إني حلمت بيكي امبارح؟ 

ردت عليا بدشهة: 

_حلمت بيا؟ بالسرعة دي.. مش معقول طبعاً.. 

_والله حلمت بيكي.. 

_ممكن أعرف الحلم كان ايه؟ 

_بصي.. أنا هقولك بصراحة بس ماتستغربيش مني عشان أنا حاسس اني بخرف بجد.. 

_قول، متخافش.. 

_حلمت انك واقفة هنا في قلب المعمل بتعيطي.. وزي مايكون فيه شاب واقف معاكي متنرفز مش عارف ليه.. 

_شاب؟ شاب مين؟ 

_ماعرفش.. دة مجرد حلم..حلم شفته ومش فاكر فيه أكتر من إنك بتعيطي وبس..

سكتت وقالتلي: 

_خسارة.. ليه كل مااحاول أداري اللي بيحصلي بيتفضح أمري؟ 

بصيتلها: 

_يعني ايه؟ 

_يعني هتفهم كل حاجة بعدين، انت الوحيد اللي هتكتشف كل حاجة بسرعة غير ماتخيلت خالص.. 

_أنا مش فاهم منك أي حاجة.. ماتتكلمي على طول يااسمك إنتي وتقولي حكايتك.. 

وفجأه قطع سكوتها صوت راجل بينادي عليها بره وبسرعة اتسرعت وقالتلي وهي بتجري على بره: 

_أبويا أبويا بينادي، أنا طالعة.. 

طِلِعت وسابتني، وطلعت أبص عليها بس برده كانت فص ملح وداب، مش موجودة خالص، سابتني وانا بسأل هي بتختفي فجأة تروح فين دي؟وبعد مامشيت قعدت ألفي شوية في المخزن بظبط شوية حجات، رجلي سرحت على باب بعيد في المعمل، باب غريب كدة شبه أبواب العنابر الكبيرة في المستشفيات، زقيته ودخلت وبدأت أتمشى فيه والغريب.. إني لقيت نفسي دخلت على مبنى تاني خالص تقريباً كان باب بيوصل مابين المعمل والمستشفى، الباب وبعد ماعديت منه قابلني سرداب طويل قوي على مدد الشوف كله من أوله لآخره معمول بالسيراميك الأبيض اللي بيبقى في المستشفيات، السيراميك من كتر ماهو قديم كان ابيض بهتان ومسفر، بعد مامشيت خطوتين تلاتة في السرداب دة حسيت بجسمي إتجمد من البرد، في آخر السرداب لامح باب وفوقيه صليب كبير جدا، ساعة ماشفت المنظر كدة اتعجبت لأن المكان اشبه بالمستشفيات اللي بتيجي في أفلام الرعب، بس الغريب اني لقيت الباب دة أتفتح وطلع منه واحد شكله دكتور وجه عليا من بعيد وهو بيبتسم وقالي: 

_أهلا بالعزيز اللي مشرفنا، دكتور سامي الغالي.. 

قلتله بإستغراب: 

_أنت تعرفني؟! غريبة! هو ايه المكان دة.. 

_داا ياسيدي دة الممر اللي واصل بين المعمل والمستشفى، وأنا دكتور ناجي، هكون معاك النهارده ومش هسيبك لوحدك.. 

_آه والله ياريت، دة الواحد نام على نفسه امبارح وماحسش.. 

_هههههه، عارف عارف انت هتقولي، أنا ياما نمت هنا على روحي، بس كنت أحياناً بتسلى.. 

قاطعته: 

_أيواااه  !!... كنت بتتسلى في ايه بقى؟ صراحة مافيش هنا اي حاجة تسلي خالص.. 

_إزاي بقى؟ شغل الراديو على أي اذاعة.. 

_منا باجي أشغل القرآن بيتطفي لوحده ويعطل والناس هنا بتتضايق.. 

إتلفتلي وقالي: 

_ناس مين اللي بتتضايق؟ 

قلتله: 

_بصراحه.. فيه بنت كدة هي وأبوها حسيتهم متضايقين.. 

_طبعاً ياحبيبي لازم يتضايقوا، أكيد الراديو بيبقى عالي والجو فاضي حوالينا، وبعدين خلي بالك، الأرض دي أصلا كانت قبل مايبنوا المعمل دة مقابر.. 

سمعت كلامه وجسمي أتلبش وقلتله: 

_مقابر؟ مقابر ازاي؟ 

رد عليا وهو بيبتسم: 

_مقابر ياسامي زي أي مقابر وهما بعد فترة هدوها وعملوا عليها المعمل دة عشان كان لازم المستشفى في المعدات والتحاليل والكلام الخاص بالمعامل دة.. 

للحظة سكتت ووقفت أفكر وبعدين قلتله: 

_معلش هو انت عرفت إسمي ازاي؟ هو أنا مشهور قوي بالشكل ده؟ 

ضحك قوي وقالي: 

_هههههه، لا ياراجل! يعني هكون عرفت منين؟ اكيد من سناء، يعني.. 

_بس هي ماجابتليش سيرك أصلا. 

_معلش أصل سناء مابتطقنيش أصلا. 

_ودة ليه بقى؟ 

_كلام في سرك؟ المدير مابيطيقهاش ومخليني الكل في الكل هنا في المعامل.. 

_امال انت كنت فين جوه كدة؟ 

بصيت ناحية الباب وبدأ يبصلي وقالي: 

_كنت جوة مع الناس اللي جوة.. الناس جوة ناس زي الفل، ابقى أدخل وأقعد معاهم وإعرفهم.. 

_وبالنسبة للبنت اللي بتيجي هنا، البنت اللي معاها قطة بيضا.. 

_مريم؟ مالها؟ 

_دي بتيجي ليه على طول؟ 

_هي لحقت تشغلك ياصاحبي؟ دي بنت الغفير عالبوابة برة وابوها برده يبقى المعداوي بتاع المعدية، ساعات بيقعد يحرس هنا بالليل، بس مش هتشوفه كتير.. 

_ليه بقى؟ وهو ليه مكشر على طول؟ 

إبتسم كدة وقالي: 

_يااه؟ دانتا متطلع قوي! ياسيدي مابكرة تعرف كل حاجة في وقتها.. 

_هو أنا كل ماجي أسأل حد على حاجة يقولي كدة؟ هو فيه إيه؟ 

_بقولك ايه.. أنا هرجع بقى اقعد مع صحباتي، يلا هسيبك هنا وخلي بالك عالمخزن واوعى تنام.. 

لسة بقول حاضر وببص حواليا لكن مالقيتش حد لا قدامي ولا معايا في المكان كله.. من كتر أستغرابي فضلت قاعد بقلب في التليفون بس قررت إني أقوم أمشي لآخر السرداب عشان أنادي على الدكتور اللي كان قدامي من شوية أو حتى أقعد معاه هو واللي قاعد معاهم.. وقربت من الباب تاني علشان أعدي وبصعوبة المرادي أتزق قدامي، الباب اللي كان خف الريشة من شوية بقى عامل زي البلوى، وأخيراً عديت منه وبعد ماعديت ومشيت في السرداب وقربت من الباب التاني كانت مستنياني مفاجأة.. الباب اللي لسة طالع منه الدكتور قدامي مقفول بجنازير أصلا 

والجنازير اللي عليه مصديه من الركنة والصدأ واكل فيها لما قايل يابس، طب أزاي هو عدى ووصللي منه؟ انا شايفه بعيني، يمكن يكون مثلا بيطلع من الباب دة وبيدخل منه تزويغة عشان ماحدش يقوله انت بتعمل ايه؟ وخصوصاً ان الباب دة كان ورا المستشفى وشكله معليهوش أستعمال، طب منا اروح أنا ألف من باب المستشفى العمومي وهعرف  هو راح فين.. 

ثانية واحدة.. هو اسمه ايه؟!.. ده أنا أصلا ماعرفش اسمه إيه كمان!  طب وده هجيبه ازاي بقى؟! انا أحسن حاجة أعملها اني أروح أسأل عليه في قلب المستشفى بسرعة واهو بالمرة اعرفهم على نفسي أنا كمان! 

 وبسرعة رحت لحد هناك وحتى المستشفى نفسها جوها مقبض والغريب إني لقيت حارس تاني خالص غير عم عويس قاعد علي بوابة المستشفى اللي بينها وبين بابا المعمل مشوار مشي يجي ٥دقايق أصلا، وأول ماوصلت عنده: 

_سلام عليكم.. ازيك ياريس، هو انت اللي قاعد الليلادي؟ أمال فين عم عويس مش قاعد معاك ليه؟ 

بصلي وعينه لمعت وقالي: 

_عم عويس؟ هو انت تعرفه منين؟ 

_يعني بيجي يقعد كدة شوية هناك وياخد بعضة ويمشي.. 

_بسم الله الحفيظ، الله خير حافظاً.. 

إستغربت قوي وقلتله:

_لاحول ولاقوة الابالله؟ هو أنا قلت حاجة غلط ياريس؟ 

سكت وقالي: 

_لا يابني بس  عمك عويس مش موجود.. 

_طب فيه دكتور دخل قعد معايا يجي خمس دقايق كدة من شوية وبردة دخل من الباب اللي ورا وماعرفش راح فين بعد كده.. 

الراجل بصلي وسكت خالص ومانطقش ولا اتكلم وكأني مش واقف قدامه أصلا.. خدت بعضي وإنسحبت من قدامه من سكات وماتكلمتش كتير وحتى هو ماردش عليا، دخلت المعمل تاني عشان ابص على المكان اللي جه منه، بس المكان مش بيقول ان حد عدى فيه، المكان بالسرداب الي قدامي ده شكله ماتفتحش من سنين، جسمي رجع تاني يتلبش وحسيت بحاجه مش طبيعية  لما فجأة لقيت قطة بتماوي في المكان وبصيت فيها لقيتها بالظبط شبه اللي مريم بتشيلها على إيدها.. قربت منها عشان أشيلها وفجأه راحت باخه في وشي وإتحولت مرة واحدة لعدوانية جدا وشكلها اتغير، كل اللي انا شايفة وبيحصل خلاني بصراحه اتقبض من المكان وبالرغم من إني كنت حاسم قراري بأني أسأل سناء بكره بس برده كان عندي حب الإستطلاع عالي جداً، وقتها قررت أني هروح ابص علي عويس في المعدية وماعرفش ايه اللي خلاني أروح أعمل كدة، وركبت المعدية.. ركبت وانا ماعرفش ولا يخطر في بالي اني ممكن يحصلي الي حصلي خالص.. 

بعد ماحطيت رجلي فيها، لقيت عم عويس  ومريم هما الإتنين قاعدين على جنب ومتكومين ومنظرهم يشيب وساعة ماشافوني قعدوا يقربوا مني وفجأه لقيت إيد عويس على رقابتي جابتني الأرض في قلب المعدية وفضل يخنق فيا بعزمه وبنته واقفة تقول بصوت متركب ومخيف: 

_حرام عليك يابا، ماعملش حاجة قاسم ماعملش حاجةانا اللي بحبه من.. 

رد وقالها بصوت يرعب أكتر: 

_فضحتينا يابنت الكلاب فضحتينا، 

وفجأه مرة واحدة قوة شديدة رفعتني لفوق واتحدفت في المية وانا بصرخ بعزمي عشان أشوف وانا بغرق البنت اللي اسمها مريم دي بتتخنق قدامي وبتترمي في قلب المية هي كمان، وما عرفش اللي شفته دة كان ايه ومرة واحدة غبت عن الوعي.. 

بعد يوم كامل: 

أمي قاعده جنبي في  مبنى مستشفى فقت ولاقيتها قاعده وسألتها: 

_إيه دة ياماما؟ أنا فين؟ 

قامت بلهفة: 

_حبيبي، قلبي حمد الله عالسلامة يابني، انت بخير ماتقلقش 

_لأ مش بخير.. انا عاوز اعرف ايه اللي حصل بالظبط؟!

_انت وقعت من المعدية يابني في المية، ولولا ستر ربنا وواحد سمعك وانت بتصرخ كان زمانك ماحدش عرف يوصل لجتتك بعد الشر لحد الوقتي.. 

_بس أنا.. أنا ماوقعتش، أنا اتحدفت ياأمي، فين سناء، أنا عاوز سناء حالا.. 

_حاضر حاضر، ثواني. ياسناء، تعالي بسرعة.. 

جت سناء تجري علينا، سناء بعد ماعرفت اللي حصلي هي وبعض الزملاء فضلوا معايا ولما لقيتها موجوده قلتلها: 

_اقعدي كدة واتكلمي معايا بكل صراحه، أنا إيه اللي بيحصل لي، هو أنا مجنون؟ 

_لأياسامي، انت زي الفل.. 

_أومال ايه اللي جرالي دة بالظبط؟! 

بصت في وشي وهي حاسة بالذنب: 

_بص ياسامي، طالما انت متعرض للخطر أنا هحكيلك اللي حصل ده ايه من الأول للآخر، بس قولي انت عاوز تعرف ايه بالظبط؟ 

_مريم، عويس، دكتور كدة ماعرفش يطلع ايه... مين دول؟والباب اللي اتفتح واتقفل تاني أرجوكي انطقي، ومين اللي رماني في المية  

_ياسيدي عويس يبقى أبو مريم وقتلها بأيده هي والدكتور، والناس لما عمل كدة فضلوا يضربوا فيه عشان يقول عمل كده ليه ولما اتزنق اعترف بالحقيقة وطخ نفسه بالنار.. 

_أيوة يعني قتلها ليه.. 

_عشان فضحته وغلطت مع الدكتور قاسم.. 

_أيوة، قاسم دة اللي دخل من باب السرداب.. 

استغربت وقالتلي: 

_هو كمان دخلك من باب السرداب؟ باب السرداب دة أصلا موصل للمشرحة بتاعت المستشفى، وقاسم دة كان دكتور بتاع بنات، كان زميلنا هنا في المستشفى، كانت كل البنات اما تشوفه يدوبوا فيه... ماعدا انا عشان فاهمة دماغه، كانت ايده طويلة عالأدوية وعلى حاجة المعمل وصديته كذا مرة لحدما فضحته، المهم انه من ضمن قذارته وقع مريم في حباله، مريم كانت بنت نضيفة وكل حاجه بس كانت شقية وبتحب تظهر وخصوصا انها جميلة، مرة واحدة ضحك عليها الأستاذ قاسم وطلعت حامل منه، ولما الخبر وصل لأبوها كان هيتجن وحلف لايموتها...وفعلا خدها في المعدية ووقف بيها في نص المية بالليل وعشان عارف انه ماحدش بالشكل دة هيلحقهم ولا هينجدها منه ، فضل يضرب فيها لحد ماخلص عليها وخنقها بسلك حديد وبعدين رماها في المية، وإستدرج قاسم كمان وعمل فيه نفس العاملة.. مع إختفائهم بدأت النااس تدور عليهم في كل مكان،وبعدوقت كتير بحث عنهم ولما طلعوهم وعرفوا انها عملته وبدأ يحكي واتفضح!! قرر ينهي حياته هو كمان بدل مايعيش بالفضيحة، ومن بعدها بفترة والمكان كله إتلعن بأرواحهم هما التلاتة  ، ومحدش بيحس باللي انت شفته ولا حصلك!  غير لما بيسيب المكان بعد فترة ويمشي.. 

_ياااه  ؟!  كل دة؟ وانتي ليه معارفتنيش كل القصة دي من البداية عشان أتراجع عن وجودي أو حتى عشان آخد حذري! 

_سامحني.. بس أنا كل اللي سغلني اني حد يجي يستلم مني بالليل لأني بالحرف بتعب وكنت باجي تاني يوم ألاقي المخزن زي مايكون كان فيه أطفال بتلعب طول الليل، يعني انت جتني نجدة وماينفعش أفرط فيك.. 

_انتي كنتي هتتسببيلي في الموت، انتي واخدة بالك! 

_أنا اسفة، بس حظك ان تعيينك معانا.. 

بصيتلها وانا بحمد ربنا بعد ماعرفت كل اللي قالته، يعني انا ببساطة كان كل اللي بيحصللي دة مش حقيقة أصلا واني لسة كمان عايش.. 

بعد مرور شهر على الأحداث الغريبة دي، كنت أنا كمان شريك وزميل سناء في الوردية الصباحية ومن وقت اللي حصللي واتلغت الفترة المسائية حفاظا على أرواح العاملين... 

ودي كانت حكاية معدية مريم.. 

#تمت....  

تعليقات