القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

روايه شغفي بقلم قسمة الشبيني الفصل الرابع

رواية شغفي بقلم قسمة الشبيني  الفصل الرابع

رواية شغفي 
الفصل الرابع 
بقلم قسمة الشبيني

براعة جراح الأوعية الدموية أنقذت حياته لكنها لا تتوقع مغادرته العناية المركزة فى وقت قريب، لازالت محاولات تعويضه عن الدماء التى فقد قائمة وقد تبرع العديد من زملائه ورفاقه بالدم بكميات كبيرة ورغم أن البعض منهم ليس مطابقاً له لكن أمام إصرارهم تم سحب الدماء على أن يتم تبديلها من بنك الدم في حالة الضرورة .

خطوات متسارعة وهرج فى الممر أدى لإلقاء آيلا نظرة من داخل غرفة الرعاية التى تصاحبه فيها خاصة مع ارتفاع صوت جهورى يهز الجدران لشدة غضبه 

- يعنى ايه!! ابنى مش هيرجع طبيعى ده لو رجع كمان انت اتجننت امال انت شغلتك إيه ؟

- يا سيادة اللواء ابنك جاى بقطع كامل فى الشريان السباتى يعنى مجرد بقاءه على قيد الحياة حاليا نعمة من ربنا 

- لو مش عارف تعالجه قول وانا ابعت اجيب لك دكاترة من اى مكان فى العالم .

- مفيش دكتور فى العالم هيقدر يعمل له اكتر من اللى عملناه احنا منتظرين أنه يفوق وبردو متوقعين عواقب عصبية فى حالة نجاته ومتوقعين جلطات يا سيادة اللواء ابنك اتعرض لمحاولة قتل مباشرة ومش اى قتل، دبح قطع كامل للشريان اللى بيغذى المخ ارجوك أهدأ وخلينا نقدر نساعده كل دقيقة مهمة فى حياته الفترة دى .

ظلت تتخفى خلف الجدار وترى ما يحدث خارج الغرفة، لم يبالغ حسام فى وصف جبروت هذا الرجل، لا ترى اهتزاز بنظراته، لا ترى رجفة بيديه، لا تشعر بأى ألم يسكنه لما حدث لحسام .

عادت عينيها تنظر إلى جسده الذى يرقد بسكون كرهته وحين عادت عينيها للخارج اصطدمت بعينين تحملان من الألم ما يكفى ليصل لقلبها، رجل فى حلة عسكرية غزى الشيب فوديه لابد أنه العم الذى أخبرتها عنه امها ويقف بجواره ذلك الصديق الذي عايش ما دار بينهما اليوم.

لم تتمكن من مواجهة النظرات لتسدل ستائر الغرفة معلنة انسحابها .

عادت إليه تراقب مؤشراته الحيوية التي استقرت كلياً رفعت كفها تتلمس ملامحه المسترخية 

- مش متعودة عليك هادى كده. قوم يا حسام وارجع املا حياتى جنان. قوم علشان نتجوز. انت النهاردة مشيت من غير ما تسمعنى مش قصدى انى رفضاك يا حسام انا كنت رافضة اسرقك من ورا باباك، بس دلوقتي بقولك انا آسفة مستعدة اسرقك من الدنيا كلها . انت حقى يا حسام ومحدش هياخدك منى. 

صمت ثقيل على النفس وحزن يجثم فوق أنفاسها التى أصبحت تجاهد لتتحكم فى ثباتها، لن تشعره بما تعانيه فقط ستعتنى به حتى تحيطها نظراته مجدداً.


.............


منذ عدة ساعات 


استقل حسام سيارة زميله برفقة محروس الذى يشق الهلع قلبه على مصير ابنته الصغيرة ليصف الطريق فيتبعه حسام دون تردد أو مراوغة.

وصل لمنزل فى أطراف المدينة لا يبدو مأهولا لمن يراه من الخارج .

ترجل عن السيارة متجها للداخل بخطوات ثابتة يرافقه محروس ، دفع الباب الذى أصدر صريرا يدل على تمكن الصدأ منه وتقدم يدعس بقوة الأرضية التى تحمل من غبار الزمن ما يدل على عدم وطأتها منذ مدة طويلة 

- البيت مهجور يا محروس انت متأكد من العنوان؟

- ايوه يا بيه هو اللى واصف لى الدار دى 

- العنوان مظبوط يا حضرة الضابط 

دارا يطالعان مصدر الصوت الذى أتى من الخلف عبر رواق طويل ينتهى بغرفة مغلقة، نظر حسام أرضا ليتأكد أن المجرم يستخدم هذا المنزل لتنفيذ جرائمة فالأرضية بهذا الإتجاه لا تحمل الكثير من الأتربة ويظهر عليها أثر خطوات كثيرة وتتناثر عليها وعلى الجدران قطرات دماء جفت بما يكفى لتدل على تباين وقت تناثرها.

- بتى فين؟

- لسه بدرى يا محروس مش لما أرحب بيكم الأول ؟ سلاحك على التربيزة يا باشا 

أخرج حسام سلاحه بلا تردد ووضعه فوق الطاولة المجاورة له بثبات شديد

- البنت مالهاش ذنب ولا محروس ليه دخل سبهم يمشوا انت عاوزنى وانا اهو قدامك

- ببساطة كده؟ يمشى علشان يبلغ؟ انا جاى وراكم ومراقبكم كويس وعارف انك لوحدك ودى فرصة مستحيل اضيعها

- والمفروض تعمل ايه بفرصتك دى؟ انت فاكر انى هقف اتفرج عليك وانت بتأذيهم؟ انت عاوز ايه يا كريم؟ بتكشف نفسك ليه؟

- علشان انتم أغبياء. كل اللى قتلتهم يستحقوا القتل محدش بيدور وراهم ليه ؟ لا عرفتوا هم اتقتلوا ليه ولا عرفتوا انى انا اللى قتلتهم ومين قال انى كشفت نفسى انت هتحصلهم يمكن زمايلك يشوفوا شغلهم بعدك.

- سيب الراجل يطمن على بنته انا قدامك اهو 

عدم اهتمامه بما أخبره به كريم زاد من غضبه الذى بدأ يلوح بلمحة من جنون وهو يخرج سلاحاً أبيض من جيبه يشهره أمامهما 

- شكلك مش خايف على روحك قولت محدش منكم هيخرج من هنا بس انا هكون احسن منكم لآخر لحظة عاوز تشوف بنتك؟ تعالى ورايا 

تقهقرت خطواته ليكونا أمامه خوفا من غدر أحدهما متجها للغرفة المغلقة بنهاية الرواق مع اتساع مقلق لابتسامته الخبيثة التي نبأت حسام أن ما سيراه سيغضبه بشدة وهذا ما حدث فور فتح كريم للباب فكانت الفتاة أرضا مقيدة اليدين والقدمين لكنها ليست على الهيئة التى أرسلها لأبيها مسبقاً فقد نزع حجابها وتمزقت ملابسها مع كدمات بوجهها ودماء جافة بجانب شفتيها هيئة مزرية تعبر عن تعرض الفتاة للضرب المبرح ولا يصدر عنها سوى انين خافت .

رفعت عينيها بفزع وهى تزداد تقوقعا على نفسها لترى ابيها فتنبض نظراتها بالأمل 

- غيتنى يا بابا 

- يا حيوااان 

نزع سترته بلا تردد وألقى بها نحو محروس الذى سقط بجوار ابنته وعينيه تعبر عن ألمه .

دار يواجه كريم الذى ما إن رأى غضبه المستعر حتى صدحت ضحكاته 

- اعملك ايه انت اتأخرت قولت اتسلى شوية صحيح الضرب مش ممتع بس ألمهم ممتع جدا 

- انا هاخد روحك بإيدى 

- مابتبقاش واثق من نفسك اوى يا حضرة الضابط 

تقدمت خطوات حسام دون أن يتراجع كريم بل تقدم أيضاً ملوحا بسلاحه ليتفادى حسام نصله ببراعة زادت من غضب كريم.

تراجعت خطوات حسام بشكل يبدو مهزوزا لكريم لكنه يقصده جيداً ليسحبه خارج الغرفة بعيداً عن الفتاة وأبيها الذى يعانى صدمته.

كلما تفادى حسام طعنة السلاح كلما زادت خطوات كريم تهورا وحدة واشتعلت عينيه بالمزيد من الغضب .


............


جلس دياب أمام وصفى زميل حسام بمكتبه ويقف محروس وابنته التى لا زالت ترتدى سترة حسام وتعانى من الصدمة فعجزت عن إفادتهم 

يقص محروس ما حدث منذ وصل للقسم مستنجدا بحسام الذى لم يتأخر عن نجدته ولم يضع سلامته فى المقدمة بل قدم الفتاة عن نفسه 

تساءل وصفى وعقله لازال تحت تأثير إصابة حسام ومشهد بدنه وجرحه القاتل 

- يعنى كل ده وماقالش بيقتل الشباب ليه؟

- أبدا يا بيه كل ما حسام بيه ربنا يعافيه يتحدت وياه كان ثابت على انتم أغبياء محدش عرفنى ولا عرف يربط بينهم 

- معنى كده أن فى رابط بين الضحايا يا وصفى، القضية دى لازم يتعاد التحقيق فيها 

- حتى لو اتعاد التحقيق يا دياب ما الجانى خلاص مات 

- والله يا بيه حسام باشا ضربه فى كتفه بالسكينة اللى هى بتاعة كريم فى الأصل انا شغال مع حسام باشا ليا زمن مش هو اللى يستهون الروح هو كان غرضه يصيبه ويعچزه ماكنش يعرف أن غدره شديد وأن معاه سكينة تانية طلعها فى لمح البصر وجز رقبته غصب عنه شد السكينة من كتفه ورشقها فى قلبه ولولا سعادتك وصلت كان زمان حسام باشا راح فيها لا قدر الله.

- متشكرين يا محروس دلوقتي هتطلع على المستشفى الميرى معاك عسكرى يكشفوا على بنتك ويكتبوا تقرير بحالتها وخدها وروح ولما ترتاح هاتها ناخد أقوالها .

- استنى برة يا محروس انا رايح المستشفى هاخدكم معايا بنتك تعبانة اوى 

- حاضر يا استاذ كتر خيرك 

غادر محروس يقود ابنته التى تتعلق بصدره كأنها تختبئ من غدر الحياة متعلقة بأمل أمان ابيها لينظر دياب فى أثرها بشفقة عازما على متابعة حالتها.

دقائق قليلة قضاها في تباحث الأمر مع وصفى قبل أن يغادر فهو بحاجة لتفقد صديقة فما أخبرهم به الطبيب مفزع .

...... ......


تم استدعاء آيلا لتوقيع الكشف على الفتاة لتغادر غرفة الرعاية مضطرة وتمر بالرواق حيث ينتظر الجميع ، ارتفعت الأعين تطالعها لكن زوج منهما فقط هو ما أثار حفيظتها فقد حملت لها نظرات الكراهية التى لا خلط فيها وسرعان ما انتفض صاحب العينين مبتعدا فى الجهة المعاكسة لمرورها وفورا رفع شقيقه هاتفه طالبا مراقبته.

قد يعجبك ايضا

مرت ساعة تقريباً قبل أن يعود عبدالرحمن إلى موقعه أمام غرفة العناية المشددة فى إنتظار خبر عن نجاة ابنه بينما وصلت رسالة على هاتف شقيقه قرأها ليشارك الغضب ألمه فوق ملامحه وينتفض مطالبا دياب بمرافقته.


ابتعدا بمسافة كافية قبل أن تتوقف خطوات عبدالرؤوف الملتهمة للأرضية ويدور ناظرا لدياب

- أنا مش عاوز آيلا تسيب المستشفى النهاردة انت من اقرب اصدقاء حسام عاوزين نقنعها تفضل هنا 

- افتكر أنها هتفضل من حالها بس ايه مشكلة سيادتك لو روحت ورچعت؟

- اكيد مش هى مشكلتى، مشكلتى مع اخويا اللى حب السلطة العسكرية جننه وعنده استعداد يأذى البنت المهم عنده تختفى من حياة حسام اللى هو اصلا بين الحياة والموت ، ابنه مش عارف مصيره وعنده قدرة يخطط ويأذى.

- أهدأ يا سيادة العقيد انا مافهمش حاچة 

- اللى لازم تفهمه يا دياب أن آيلا جزء من روح حسام ولأن حسام يهمنا وهو دلوقتي عاجز عن حمايتها يبقى أقل حق ليه علينا أننا نحميها مهما كان اللى بيهددها.

- ولو انى مافهمش بس اللى يخص حسام احميه بروحى ماتنعاش هم عينى عليها وهشوف هتروح ولا لا.

اتجه دياب نحو غرف الكشف بينما اتجه عبدالرؤوف عائدا لموقعه فهو لا يريد أن يثير شكوك أخيه سيمنحه حرية الحركة وسيتأكد من قمع ظلمه.


.........


رأت صديقه يسير متجها نحوها وكانت بحاجة لرؤيته، ثقة حسام به تدفعها للثقة به رغم ملامحه التى تثير الخوف إلا أنه أهل لثقة حسام وهذا يكفيها.

اتجهت نحوه بلا تردد ووقفت أمامه متسائلة 

- بلغته؟

إلتقى حاجبى دياب يتذكر قولها له صباحاً ، ضم شفتيه وهز رأسه نفيا هزة خفيفة نتج عنها زفرة محبطة منها فكم يسوءها أن يظن حسام أنها تتخلى عنه!

- هتروحى اوصلك ؟ انت أمانة حسام لحد ما يرچع لنا بالسلامة 

- مش هتحرك قبل ما اطمن عليه، انت عارف يعنى إيه قطع كلى فى الشريان السباتى ؟

- يمكن مااعرفش المعلومات الطبية اللى تعرفيها لكن خابر زين أن حسام شديد ومچرد إحساسه إنك چاره هيخليه يتمسك بالدنيا.

- اتمنى يكون عندك حق 

- خلى نمرة تلفونى معاك لو حبيتى تروحى اى مكان كلمينى .

استسلمت له فقد عزمت على التمسك بالأمل فهذا كل ما تملك حالياً.


..........


اسبوع مر بصعوبة شديدة وهى تلازمه، أهملت عملها معتمدة على حسن علاقتها بزملائها وتفرغت لصحبته رغم عدم عودته من الغيبوبة، تطوعت إحدى زميلاتها واحضرت لها بضعة اغراض شخصية اعتمدت عليها كليا فى البقاء بالمشفى، تخلت عن روتين يومها وعن محادثات أمها واكتفت برسائل التواصل الاجتماعي وكأن قلبها يخشى أن تتركه فتعود ولا تجده.

كلما مر يوم دون إفاقته زادت مخاوفها من فقده، تلفت أعصابها من انتظاره وكأنها ليست طبيبة وعلى دراية تامة بمدى خطورة حالته.


غادرت غرفة الرعاية لتناول الطعام تحت إلحاح من عبدالرؤوف الذي يبدو لها كثير الشبه بصاحب قلبها الذى اشتاقت جنونه.

لاحظت غياب عبدالرحمن فور خروجها ورغم راحتها لغيابه إلا أنها تساءلت بعينيها ليجيب فوراً 

- جاله استدعاء معانا يومين على ما يظهر 

اومأت بتفهم وهى تسير بجواره تجاه مكتبها حيث ينتظر دياب مع وجبة دسمة تكفى نظرة واحدة لها لتعلم أنها منزلية

- انت جايب الأكل من بيتك يا دياب ؟

- ايوه من بيتى أول طبخة تعملها ام البدر بعد ما ربنا تم عليها نفاسها 

- حمدالله على سلامتها يا دياب حسام حكى لى عن بنتك قبل الحادثة 

- وانا بقول وشك من الاول مألوف مراتك ولدت عندى؟

- حريم العيلة كلاتهم ولدوا عندك يا دكتورة كنا بنشن على النبطشية بتاعتك باين .

ابتسمت وهزت رأسها وهى تقبل ما يقدمه لها ليتابع 

- وبلاش دياب بعد أكده نادونى ابو البنية 

ضحك عبدالرؤوف لتعلق دياب بابنته تماماً كما وصفه حسام رغم أن ترتيبها الثالث بعد ولديه لكن يبدو أن قلب هذا الرجل كان ينتظر ابنته دون أن يدرك.


مر الغداء بين ضحكات عبدالرؤوف ومحاولة دياب سحب آيلا من نوبات شرودها حتى انتهوا من تناول الطعام ليغادر ثلاثتهم تجاه غرفة الرعاية.

شحب وجه آيلا وهى ترى باب الغرفة مفتوح نسبياً وقد عبره للتو جراح الأوعية الدموية وبعض الأطباء ، ركضت خطواتهم جميعا لتتوقف مرة أخرى مع محاولة الممرضة غلق الباب لتدفعه آيلا وتقتحم الغرفة فتقابلها نظرات حسام وكأنه كان يبحث عنها بين الأوجه.

- سامعنى كويس حاول تركز معايا

لم يلتفت للطبيب الذى يحاول التأكد من سلامته بل تعلقت نظراته بدموعها مع ابتسامتها 

- وحشتينى اوى 

لم يخرج صوته ولم تسمعه أذنيها لكنها ضحكت وهى تقترب من الفراش دون الالتفات لوجود زملائها 

- لو كنت مت كنت قتلتك يا حسام 

ابتسم بشحوب بينما تعالت ضحكات زملائها 

- طيب خلينا نطمن عليه علشان نسيبك تستفردى بيه 

اتجهت نظراته بغضب للطبيب فليس من حق اى منهم أن يمزح معها أو أن ينزع ضحكاتها لكن لمسة من كفها لكفه أعادت تركيزه إليها ليتابع الأطباء فحصه على أمل تمام معجزة نجاته.

تعليقات