القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

سكريبت قصر الكاسان بقلم الكاتبة إبتسام رشاد

 سكريبت قصر الكاسان

سكريبت قصر الكاسان





بنسمع كتير جملة "محدش في البلد دي بيشتغل الشغلانة اللي بيحبها", لكن لما تكون عندك هواية اوموهبة وتعرف توظفها بالطريقة الصح, وتعمل منها شغل يكون مصدر دخل ليك, تبقى انت كده قدرت تحقق المعادلة... المعادلة اللي تخليك تجمع بين الموهبة والشغل, ساعتها بس هتتأكد إنك إتحطيت في المكان الصح, اللي تقدر من خلاله توصل لحلمك, وتحقق هدفك وتحس بمتعة الوصول, دي تعتبر وجهة نظري في الحياة.

وبما إن موهبتي هي التصوير, وكمان بحب أقتني الحاجات اللي ليها تاريخ, وبحب استكشف الأماكن القديمة, والأماكن الأثرية, وهوايتي اصور كل حاجة بتعجبني, وكمان انا كنت ببيع الصور دي كمجموعات, كل ده مش مُبهر لأني عندي شغلي اللي يخلينى اتفرغ له وأطور من نفسي فيه.

ماهو الواحد لازم يدور على مصدر دخل حتى لو كان بيمارس هواية... يعني في نفس الوقت تبقى هواية وشغل.


انا عماد عندي 28 سنة من مدينة اسيوط خريج بكالريوس تجارة, ساكن في شقة في الدور الأرضي, وعندي استديو تصوير  في منطقة تانية, في نفس المدينة, والدي هو اللي علمني التصوير, وعلمني ازاي أمسك الكاميرا, انا فاكر اول حاجة صورتها كانت الكلب بتاعي, انا لسه محتفظ بالصورة لحد دلوقتي, لكن كلبي مات... واحده واحده بقيت ابتكر وأخد الصورة من زوايا تانية, وبقيت اطلع احلى شغل, ابويا كان فرحان بيا وبالشغل بتاعي, ولما بقى عندي عشرين سنة كتب لي الأستديو بأسمي, وبقيت اشتغل فيه وانا اللي بديره لوحدي وكبرته, وبدأت اصور صور طبيعية واحطها في برواز واعرضها للبيع, كانت بتشتغل معايا "اسراء" طالبة في تالتة ثانوي, علمتها وشغلتها معايا, الأمور كانت ماشية تمام لغاية ما انتشر وباء كرونا من 3سنين, وقتها الشغل قل جدا, حتى حركة الشوارع, مبقتش زي الأول, مكنش فيه شغل وكنت كل يوم بروح الاستديو مش بصور حاجة, وبما إني بعدي كل يوم على مكان تاريخي مميز مفيش في العالم كله زيه, المكان ده قصر عبارة عن تحفة فنية معمارية, قصر له تاريخ حضاري ممتاز, القصر ده موجود عندنا في اسيوط, اسمه قصر الكاسان, القصر ده اتبنى من اكتر من 100 سنة, ودلوقتي اتحول لمتحف, انا بعدي على القصر ده كل يوم, لغاية ما في يوم, كنت دايما بقف قدام باب القصر, وأصور فيه, وياما عملتله صور للمنظر الخارجي, لكن انا ولا مرة دخلته.

لأنه للأسف مقفول بسبب كرونا زي ما حاجات كتير قفلت, كان الحارس هناك, الحارس راجل كبير شويه, شكله بتاع 50 سنة, مكنتش بشوف غير الحارس ده عند البوابة القبلية, كان عندي فضول ادخل القصر ده, وكمان اصوره من جوه, وبما ان القصر بمثابة متحف, يعني اكيد جواه قطع أثرية, وتحف نادرة, في يوم قررت ادخل القصر ده, من غير علم الحارس, لأن وقتها كان الدخول ممنوع, علشان كده فكرت ادخل واصور براحتي في هدوء, "اسراء" بس هي اللي عارفة اني هدخل القصر من غير علم اي حد, الحارس كان عند البوابة القبلية, وبيسيب الباب الرئيسي موارب, الباب تصميمه كلاسيكي حديد, لكن قديم زي ما القصر, المهم كنت واخد الكاميرا بتاعتي معايا, وقفت قدام باب القصر وانا بتفرج على القصر من بره, متحمس اوي ادخله بالليل واصور كل حته فيه, واقدر اطلع منه صور عظمة, استفيد منها في شغلي.

وقفت اتفرج على القصر شوية, بفكر ادخله بالليل, بصيت للباب وسرحت بخيالي ...اتسحبت وقدرت ادخل من غير ما الحارس يحس بيا, دخلت وياريتني ما دخلت, كانت الساعة خمسة والشمس قربت تغيب, وانا بغبائي كنت عامل حسابي ان هبات الليلة دي هنا في القصر على اساس اطلع بمجموعة صور اكسر بيها الدنيا.

من اول ما دخلت خوفت يكون فيه حد جوه واتمسك ويفتكروني حرامي... جنينة القصر واسعة اووي كان فيه اوضة صغيرة وسط الجنينة جريت على أساس استخبى فيها, كان الباب بتاعها مابيقفلش, وبيزيق بصوت مستفز.

دخلت استخبيت جوه الاوضة دي, لقيتها اوضة طرمبة المياة اللي بتسقى زرع الجنينة, الأوضة ضلمة ومش مريحة, فضلت جواها يجي نص ساعة, لحد ما سمعت واحد من العمال بيقول للحارس:

_شغلنا طرمبة المياه نسقي الأربع شجرات الصغيرين.

سمعت صوته وهو جاي ناحية الأوضة اللي انا مستخبي فيها, اتسحبت وخرجت بسرعة, جريت استخبيت ورا شجرة ورقها تقيل, وده ساعدني علشان محدش يقدر يشوفني, وانا برجع لورا دوست على حاجة ببص لقيتها قطة ميتة, وكمان كان فيه عصافير ميتة, قرفت ووقفت على جنب وانا ببص لمبنى القصر, وخايف اروح ناحية الباب حد يشوفني, وكمان مش واضح اذا كان الباب مفتوح, ولا مقفول, استنيت لحد غياب الشمس شوفت واحد من العمال فتح الباب ودخل لجوه استغليت الفرصة واتسحبت لحد ما دخلت جوه المبنىى, كنت فرحان ان قدرت ادخل, لكن بصراحة كنت خايف من حاجتين الأولى, لو اتمسكت جوه القصر هروح في ستين داهية, والحاجة التانية ان المكان  مرعب من جوه كأنه مقفول بقاله عشرين سنة, والمكان فيه ريحه وحشة, ريحة كمكمة,

المهم العامل خرج وقفل الباب وراه باللمفتاح, مفكرتش في اي حاجة غير ان دي احسن فرصة للتصوير, المكان بقى هادي ومفيش اصوات تدخل في بعضها, وبكده اقدر اصور على رواقة, واطلع احلى شغل, اول مشكلة قابلتني المكان ضلمة, والإضاءة ضعيفة, قولت اصور واحاول استغل الإضاءة الهادية بحيث اقدر اطلع شغل راقي, معايا كشاف شغلته وبدأت أتفرج على القصر من جوه, القصر روعة, وتصميماته أوحت لي بأفكار كتير, اتصلت بإسراء قولتلها:

_انا جوه القصر دلوقتي والمكان ضلمة, مش عارف هصور ازاي؟

_احسن علشان مرضيتش تاخدني معاك.

_اخدك ايه؟؟! ادخل ومعايا واحدة ست؟؟ 

_عاوزني اعملك ايه دلوقتي؟

_مفيش يا ستي, خليكي على تواصل بيا مش اكتر.

قفلت موبايلها بعد ما قالت لي:

_مع نفسك.

مشيت في طرقة القصر لجوه, وانا ماشي في الطرقة كنت حاسس ان انا بحجم عقلة الاصبع, تحديدا وانا ببص للسقف العالي, كل ما بدخل لجوه اكتر, المكان بيضلم اكتر, بس في ايدي الكشاف والكاميرا بتاعتي, كنت بتلفت حواليا, مش عارف ازاي هصور في الضلمة دي, وانا ماشي بدأت أحس بحد ماشي ورايا بالظبط, وقفت والتفتت بالراحة مشوفتش حد, خوفت وكملت مشي في الطرقة, رجعت اسمع صوت الرجلين اللي ماشية ورايا, ببص تاني بردو ملقتش حاجة, خوفت ووقفت شوية اسند ضهري للحيط, الحيط ساقعة, كنت حاسس برطوبة المكان, سمعت صوت باب من الأبواب اللي حواليا بيفتح ...بيزيق بصوت عالي في وسط الهدوء,  قلبي بيدق جامد من الخوف, في الضلمة دي مكنتش عارف أحدد الباب اللي اتفتح ده فين, مجرد صوت سمعته, بعد هدوء دقيقة كاملة, الباب هوهو اللي اتفتح سمعته اترزع جامد, متحركتش من مكاني, في اللحظة دي انا ندمت اوي, ندمت اني جيت المكان ده, رجع الهدوء سيطر على المكان تاني, وانا سيطر عليا الخوف والتوتر, بكده انا مش هعرف اشتغل, كملت مشي في نفس الطرقة, وصلت سلم, على درابزين السلم فيه تمثال لبنت بفستان مكشوف, واضح انه مصنوع من العاج, حسست بإيدي على التمثال, كان عليه تراب كتير, يظهر إنه متنضفش من زمان, قررت اوجه ضوء الكشاف على التمثال واصوره من كل الزوايا, بدأت اشتغل, وفتحت عدست الكاميرا, وكل اللي في دماغي اني هاخد صورة بإضاءة ضعيفة, لكن اللي حصل خلاني بقيت عاوز اخرج من المكان ده بأي شكل, لما شوفت التمثال من خلال الكاميرا, اتخضيت ورجعت أبص للتمثال مرة تانية, لقيته زي ما هو, استغربت وقولت اومال ايه اللي انا شوفته ورا الكاميرا ده؟!

رجعت اصور التمثال تاني, المرة دي التمثال مظهرش في الصورة اصلا, اتخضيت وبقيت حاسس ان المكان فيه حاجة مش طبيعية, فكرت شويه وقولت اجرب اصور بالموبايل, لما فتحت كاميرا الموبايل في الأول ظهر التمثال عادي زي ما هو, لكن بعد خمس ثواني, ورا الكاميرا شوفت التمثال اتحول لحقيقة بيتحرك, وش التمثال بقى وش بنت حقيقية, رفعت دماغها وبصت لي وهي بتضحك, اتخضيت من اللي شوفته في الموبايل, رغم ان في الواقع التمثال زي ما هو متحركش, خوفت للرجة ان كنت هصرخ وأنده لحد يخرجني من هنا, لولا ان افتكرت الطريقة اللي دخلت بيها ولو حد اكتشف ان انا هنا, هروح  في داهية, رجعت لورا وبعدت عن التمثال, واتصلت بإسراء علشان اقولها اللي حصلي وكمان اهي تونسني شوية, لقيتها قافله موبايلها من أخر مكالمة, اتحركت في طرقة تانية جوه القصر, كل ده وانا بتحرك على ضوء الكشاف بتاعي, وانا ماشي في الطرقة, كان في صور ولوحات لرسامين كبار, بس كلها لوحات قديمة, فضلت اصورهم بفلاش الموبايل, الطرقة طويلة ومليانه تحف, مكان مايتشبعش منه, لكن ضلمة وللأسف مش نضيف, في وسط الضلمة والهدوء المرعب لمحت في أخر الطُرقة هناك عيون بتلمع جايه ناحيتي... ناحية كشاف النور اللي في ايدي, في عز الضلمة, كانت بتقرب مني اوي, قربت لغاية ما وصلت عندي, ولقيتها قطة, اخدت نفسي, وقولت:

_يعني الرعب ده كله وتطلع في الأخر قطة.


القطة قربت مني أوي وهي بتنونو, فضلت قاعدة جنبي وبتبصلي, وكل ما اتحرك تمشي ورايا, كنت مستغرب من القطة دي مش فاهم, هي عايشة في القصر ولا ايه, فجأة وانا بتفرج على اللوحات, لقيت اللمبة اللي اخر الطرقة نورت لوحدها, مع اني مش سامع اي صوت, مش فاهم دي نورت ازاي, ومكنش فيه حد غيري انا والقطة, في وسط الهدوء ده سمعت صرخة.. صرخة عالية بصوت واحدة ست, حسيت ان صرختها بترن جوه ودني, صدى صوت الصرخة بيرن في المكان كله, وفي نفس الوقت... اللمبة اللي أخر الطرقة فضلت ىتنور وتطفي اكتر من مرة, كنت مرعوب ومش قادر اتحرك من مكاني, جسمي كلة قشعر من الخوف, والغريب كمان ان القطة لسة قاعدة جمبي وبتبصلي, لدرجة ان كنت حاسس انها خلاص هتنطق, حقيق ندمت على الفكرة دي... اتمنيت اني لو مدخلتش القصر كان احسن, ايدي بتترعش, شنطتي وقعت مني على الأرض, مديت ايدي اجيبها, لاحظت القطة بتحاول تعمل فعل عدائي, بتحاول تئذيني, لكنها بعدت عني وجريت بعيد, ماشوفتهاش راحت فين, المكان كله ضلمة, وانا بجيب الموبايل من الشنطة, لقيت اسراء بتتصل, واتصلت قبل كده, رديت عليها بتوتر وخوف:

_اسراء انا خايف اوي, من أول ما دخلت المكان ده حاجات كتير غريبة بتحصلي, المكان جوه مش طبيعي, بشوف حيوانات, وضل اسود, وبسمع اصوات غريبة.

_ايه انت بتقول ايه, القصر طبيعي ومفهوش حاجة, ده عبارة عن متحف آثري, وياما ناس بتروحه, بس الغلط من الأول مكنش ينفع تدخله بالليل وبالطريقة دي.

_انا مش عارف اعمل ايه دلوقت؟ اخرج من هنا إزاي؟ 

_مفيش حل قدامك غير انك تستنى لحد الصبح وتخرج بنفس الطريقة اللي دخلت بيها؟ 

_المكان مش امان, القعده هنا صعبة اوي, شوفي لي حل يخرجني من هنا.

_اهدأ واستنى لحد ما النهار يطلع واخرج بنفس الطريقة.


_تعالى واقفي عند باب القصر, واوصفي لي ايه اللي بيحصل بره.

_لو كان كده يبقى تمام هجيلك.


قفلت معاها وانا قاعد جوه القصر مرعوب وعلى أخري, كنت عاوز اجري ناحية الباب واخبط لحد ما يخرجوني من هنا, واللي يحصل يحصل.

في الضلمة وانا قاعد لوحدي, اتشجعت وروحت عند اللمبة اللي بتنور هناك, شكلها لمبة قديمة علشان كده عمال تنور وتطفي لوحدها, كنت مستني اسراء تيجي, قولت بدل ما استنى احاول ألاقي مخرج, الضلمة مش مساعداني اتحرك جوه القصر, القصر فيه أوض كتير... كل حاجة قديمة, كأني اتحبست جوه فيلم رعب, حتى مش ارجع للطرقة اللي دخلت منها, بلف جوه متاهة في عز الضلمة, مش عارف ازاي بلف وبتحرك, وبرجع لنفس المكان تاني, لحد ما تعبت... كل ده بلف في دايرة مقفولة, ولحد دلوقتي لسه اسراء مجتش ولا اتصلت, لما وقفت مكاني عند اللمبة الوحيده اللي بتنور في القصر كله, لفت انتباهي حاجة هناك اخر الطرقة, شوفت حد واقف, وعمال يقولي:

_تعالى... تعالى ورايا.

مكنتش شايف هيئته كويس, كأن كنت بحلم أو بيتهيئلي, مردتش  على اللي بينده لي, اصلا كنت خايف منه, لكن لما رجع ينده لي تاني:

_عماد... عماااد, تعالى يا عماد.

المرة دي رديت وقولت:

_مين؟ مين اللي بينده.

روحت ناحية الصوت, وكل ما اقرب منه وهو بيقولي "تعالى" اكتشف ان الصوت بيبعد, واكتشف ان انا بطارد صوت وهمي, مش حقيقي, لكن الصوت اخدني لجزء تاني من القصر, جزء مكشوف للسماء, عندها لقيت سلم, عرفت ان السلم ده بيطلع للدور التاني, ما هو اصلا القصر دورين, بما ان الدنيا ضلمة ...والقصر كله شبه بعضه بالتالي مفيش قدامي غير ان اطلع السلم ده, على امل ألاقي مخرج, وانا طالع السلم دوخت, حسيت الدنيا بتلف بيا فضلت اطلع درجة ورا التانية, مش عارف ايه اللي بيحصل ...انا عمال اطلع السلم ومش بوصل, استمريت في الطلوع, دوخت اكتر من الأول, قعدت على السلم لأن دوخت اوي وتعبت من الطلوع, ومبقتش قادر اكمل, حتى ان الكشاف بتاعي وقع من إيدي واتدحرج على السلم, في اللحظة دي انا مكنتش مدرك لأي حاجة... كل حاجة حواليا مشوشة, لكن سمعت صوته بوضوح, اه هو نفس الصوت اللي كان بينده لي المرة دي, الصوت كان واضح اوي, سمعته وهو بيقولي:

_ايه اللي دخلك القصر بتاعي بالليل؟ جاي تكشف سري؟!

كنت بفتح عنيا جامد, علشان اشوف مين اللي بيكلمني, كنت شايف صورة مشوشة, شوفت هيئة راجل واقف قدامي وبيكلمني, وفيه على دماغه عمة بيضة كبيرة, طبعا انا كنت في حالة عدم إدراك ومكنتش في وعيي, اللي حصلي وقتها مقدرش انساه... الراجل كمل كلامه وقالي:

_متحاولش تخرج من القصر, مش هتعرف تخرج منه, انت دخلت بدون اذن وعلشان تخرج من هنا لازم تاخد الإذن, وخليك عارف فيه غيرك كتير دخلوا القصر قبلك, لكن مخرجوش.


الراجل سكت وبدأ يرجع لورا ويبعد, الغريب انه كان بيرجع بضهره, مكنتش قادر اتحرك ولا انطق, اسئلة كتير بتدور في دماغي, ومش فاهم ايه اللي بيحصل, الراجل بعد عني واختفى بمجرد ما هو اختفى, انا رجعت لحالتي الطبيعية كنت قاعد على تالت درجة من درجات السلم, والكشاف بتاعي منور, ومدحرج على الأرض... كل اللي فاكره ان انا كنت بطلع سلم عالي اوي, وكمان انا مش فاهم اللي حصلي ده حلم ولا خيال, ولا تهيوئات.

قومت اطلع السلم, وفعلا طلعت الدور التاني, حسيته اوسع من الدور الأ ول... وانا بتمشى في الطرقة, لقيت حاجة مدورة واقعة على الأرض, وطيت أجيبها, لمحت حد عدى من جنبي بسرعة البرق, قولت:

_مين... مين هنا؟!

للحظة فكرت ان الراجل اللي شوفته من شوية هو هو اللي عدى من جنبي... لكن فجأة اسمع صوت طرابيزه بتتسحب على البلاط, مشيت ورا الصوت اللي سمعته بعد ما اخدت الحاجة المدورة اللي كانت على الأرض, واللي هي غالبًا عُملة قديمة, أو ميدالية, مركزتش, بس اخدتها ومشيت ناحية الصوت, الغريب وانا ماشي في الطرقة كل الأوض أبوابها مفتوحة, وكل ما أعدي على باب اوضة منهم الباب بيترزع في وشي كأن فيه حد جوه بيقفل الأبواب دي, بصراحة وبقيت اجري في الطرقة, لحد ما شوفت لمبة بتنور وتطفي اخر الطُرقة روحت عليها, لأنه مصدر الضوء الوحيد اللي قدامي, لما سندت ضهري على الحيط, افتكرت ان انا رجعت لنفس النقطة اللي كنت عندها في الأول, مش عارف ازاي رجعت ولا عندي تفسير للي حصل.

في وسط الدوخة دي كُلها ببص للعُملة اللي لقيتها... كان عليها صورة, الغريب بقى ان الصورة دي هي نفسها صورة الراجل اللي شوفته وهو لابس العمة, وفي الصورة بردو على دماغه عمة, انا مش عارف ايه حكاية الراجل, المصيبة لو كان الكلام اللي قاله لي حقيقة, ببص على ضهر العملة لقيت مكتوب تاريخ, التاريخ ده بيوم 9| 9| سنة 1909 واللي أعرفه عن القصر ده, ان صاحبه زمان خلص بنائه سنة 1910وده بعد شغل 8 سنين, لحد ما القصر اتبنى, حاول أربط بين تاريخ بناء القصر, وبين التاريخ الموجود على العُملة, لكن مطلعتش بحاجة, اهم حاجة دلوقتي انا عاوز اخرج من المكان ده, تعبت من كل اللي بيحصل معايا من اول ما دخلت, حتى اسراء, متصلتش تاني وكل ما اتصل الاقي موبايلها مقفول, كده انا مش قدامي غير ان احاول اخرج لوحدي او استنى لحد الصبح وقتها اقدر اخرج, انا حتى مش عارف الساعة كام دلوقتي, خلاص انا مش هتحرك من مكاني لحد الصبح, كنت حاسس ان انا اتعزلت عن الدنيا كلها قعدت وقت طويل, وبردو مطلعش النهار كنت حاسس ان الوقت واقف, حتى موبايلي مش محدد ساعة, ولا اي حاجة... كنت هتجنن ومش فاهم ايه اللي بيحصل, حاولت اتصل بأي حد يخرجني من هنا بأي شكل, كلهم موبايلاتهم مقفولة, كنت هتجنن اكتر, مش عارف انا كده هخرج ازاي؟!

هنا اضطريت الجأ لحل أخير, روحت على اقرب باب ليا, وفضلت اخبط واكسر في اي حاجة علشان اعمل دوشة, والفت انتباه العمال وهما يفتحو لي... وبعد كده يحصل اللي يحصل, بعد التخبيط والرزع ده كله, محدش سمعني خالص, وكأني انعزلت في القصر ده لوحدي, بعد التعب ده كله رميت الكاميرا وكل حاجة في ايدي,  رميتهم بإحباط... انا اصلا كنت جاي علشان اصور, ودلوقتي كأني جوه متاهة.

فكرت في كلام الراجل, واخدت العُملة من الأرض, افتكرت الصور اللي شوفتها على الحيط, كان فيها واحدة تبقى صورة الراجل اللي شوفته, وكمان صورته على العُملة, يبقى اللي انا شوفته ده كان ايه؟! يعني انا  كده اتحبست جوه القصر تحت تأثير حاجة غير طبيعية, مشيت شوية لحد ما لقيت الصورة إياها, فعلا هي صورة مميزة بالحفر البارز, رميت ده كل على الأرض, لما شوفت شكل التراب على الأرض وبقايا قطرات دم, فهمت ان دي جثة... ومش بس كده, دي جثة مسحوبة على الأرض, انا ماأدركتش ان ممكن اكون انا الضحية اللي جاية.


الحل الأخير لازم ألاقي حل السر واخرج من هنا, انا كنت مرعوب اصلا, لحد دلوقتي مش عارف ابدأ ازاي, لكن السر اتبنى على اي اساس, في الوقت ده كنت واقف قدام الصور, وفجأة وقعت الصورة بتاعت الراجل إياه, وقعت من غير سبب جيت ارفعها, لقيت في ضهر الصورةُ ورقه مهمة, اخدتها من ضهر الصورة, واضح ان الوقة دي هي اللي هتساعدني علشان اقدر اخرج من هنا.

فتحت الورقة, نورت بالكشاف علشان اشوف المكتوب فيها, لقيت الكلام مكتوب بخط الإيد بحبر اسود... مكتوب ان القصر عليه لعنة, اللعنة دي بتصيب اي حد ممكن يخرب القصر, واللعنة اتعملت اصلا علشان تحمي القصر, دلوقتي انا معايا عُملة معدن, ومعايا ورقة بتقول ان اللي بنا القصر راجل عادي لا هو ملك ولا أمير, وكلها معلومات عن القصر ومساحتة أد إيه, ومعلومات من دي, واخر حاجة في الورقة بتتكلم عن لعنة القصر, والكلام بينتهي بجملة "احذر متاهة القصر" اول حاجة عملتها صورت الورقة, والعملة المعدن, سبت الصورة واقعة على الأرض, ومشيت في الطرقة تاني, فجأة وقفت لما شوفت دماغ واحدة ست بتتسحب على الأرض بحيث تدخل جوه الأوضة, وبمجرد ما اتسحبت لجوه الباب اترزع جامد, تقريبا الست دي مقتولة, انا عن نفسي اترعبت من المنظر, لكن انا مسمعتش اي صوت تاني بعد ما الباب اترزع, الهدوء مسيطر على المكان, من الخوف مكنتش قادر اتقدم خطوة, ولا حتى ارجع, افتكرت ان انا شوفت قبل كده أثر على الأرض بيظهر ان فيه واحدة, بتتشد وبتتسحل على الأرض, لكن انا مسمعتش أي اصوات تانية, خوفت اوي, كنت متوقع ان انا كمان هيحصل معايا كده... وهتنتهي كل حاجة بموتي هنا.


شوفت حاجة عند الباب ده, حاجة خلتني ارمي كل اللي في ايدي واجري كان فيه بقعة دم سوده وتقيلة, وكان عليها خُصلة شعر طويلة... رميت كل حاجة وجريت, بس موبايلي معايا, جريت بعدت عن الباب ده وانا مرعوب, مش شايف حاجة, ولا عارف اروح فين, لدرجة ان بدور على حتة استخبى فيها, اوطريقة احمي بيها نفسي, في وسط كل ده حاسس اني هموت من الجوع والعطش, سندت على الحيط اللى ورايا لقيت  صورت الراجل إياه بتتدحرج على الأرض بطريقة غريبة, كأن حد بيدحرجها, انا معرفش مين الراجل ده, وإيه علاقته بالقصر, هي دي نفس الصورة اللي لقيت الورقة في ضهرها, مسكت الصورة لقيت مكتوب عليها بخط صغير كلمة "الكاسان باشا" معقولة دي تكون صورة الراجل اللي بنى القصر؟!

انا بقيت مُشتت ومش فاهم حاجة, مش عاوز غير اخرج من هنا, مكنش قدامي غير ان اروح عند الأوضة اللي شوفت فيها البنت بتتسحب على الأرض, واعرف ايه اللي فيها واجيب الحاجة اللي  وقعت مني, مشيت على ضوء فلاش الموبايل, واخدت حاجتي اللي وقعت, قربت من باب الأوضة إياها, وكان بيفتح ويقفل لوحده, قربت وانا بفتحه علشان اعرف ايه اللي جوه كان قلبي بيدق جامد, كنت خايف اخططي جوه الأوضة... بعد تردد وتفكير, دخلت, بمجرد ما حطيت رجلي في الأوضة... الباب اتقفل عليا, 

_اااه عاوز اخرج, عاوز اخرج من هنا.

سمعت صوت بيقول:

_جيت لقضاك برجليك... مفيش وقت للندم... انته لازم تتعاقب زيهم.

وقعت على الأرض كأن وقعت جوه حفرة غويطة ضلمة اوي, فضلت الدنيا تلف بيا, لحد ما ببص جنبي لقيت حارس القصر بيهزني وبقولي:

_مالك يا استاذ عاوز حاجة؟ بقالك  ساعة واقف هنا وعمال تبص للقصر؟!

اخدت دقيقتين استوعب اللي انا فيه, ببص لقيتني لسه واقف قدام القصر, يعني انا مدخلتوش اصلا, فرحت اوي ان انا خلصت من الكابوس ده, 

_يااااه اللحمد لله... قولت للحارس:

_هو انا ينفع ادخل القصر بالليل؟

_لا يا ابني القصر هنا مش زي المتاحف التانية... القصر مش امان يا ابني, يظهر ان حصل معاك نفس اللي حصل مع أشرف.

_اشرف؟! اشرف مين؟ وايه اللي حصله؟

_  اشرف ده  شب زيك كده, ابن بلد, كان عايش بره مصر, جه زيارة وكنا بالليل وطلب نفتحله القصر يدخله بالليل لكن ده ممنوع, القصر مفتوح للزوار طول النهار بس, جه بالليل وقعد معايا زيك كده على نفس الكنبة, ولما عينه غفلت سبته يريح شويه واهو اتونس بيه, ولما لقيته هيتأخر... روحت اصحيه, اتخض واتفزع, لقيته بيقولي, انا فين؟ انا دخلت القصر يا عم شعبان... وفضل يحكيلي عن اللي شافه جوه القصر, وانه دخل في متاهة وطلع له عفاريت ومش عارف ايه, وقعد يحكي لي مغامرات ولا في الأفلام.

_ده نفس اللي شوفته! انا حاسس إن انا فعلا دخلت القصر, الموضوع ده اكيد فيه سر.

_ولا سر ولا حاجة, الحكاية وما فيها ممنوع حد يدخل القصر بالليل.

_هو انا ينفع اجي القصر بالنهار؟

_لو بكره هيسمحوا لك تدخل.

استئذنت من عم شعبان ومشيت... مشيت وانا بفكر في اللي حصلي من شوية ده, انا متأكد ان انا دخلت القصر, ازاي ده كله حصل... وفجأة اكتشف ان انا بتخيل, وبعدين ازاي اشرف ده حصل معاه نفس اللي حصلي, وايه حكاية اللعنة, ما اللي شوفته انا واللي شافه اشرف ده معناه ان اللعنة موجوده بجد علشان تحمي القصر, ما هو مش معقول يحصلنا احنا الأتنين نفس الشيء, لمجرد اننا فكرنا ندخل القصر بالليل.

رجعت شقتي وكلمت اسراء, حكيت لها على كل حاجة بالتفصيل الممل, وكمان قولتلها:

_تعملي حسابك بكره هنروح القصر, وهندخل سوا ونصور هناك... عاوزين نطلع بمجموعة صور جامدة.

_معنديش مشكلة نروح, بس لعلمك هنروح بالنهار, احسن انا جسمي قشعر من اللي بتحكيهولي... انا مش ناقصة عفاريت, ولعنات.

_فعلا, انا صلا لحد دلوقتي مش قادر استوعب ان اللي شوفته ده كله مكنش حقيقة.

قفلت معاها بعد ما اتفقنا اننا هنروح القصر بكره, وبالفعل تاني يوم الصبح اتقابلنا في الأستديو واخدنا الكاميرا وشنطة الشغل وروحنا القصر, دخلنا من البوابه القبلية مع عم شعبان, وانا داخل حسيت ان انا جيت هنا امبارح مع انها تعتبر اول مره ادخل القصر ده, كل حاجة كأن شوفتها قبل كده, كل ما اخطي خطوه افتكر الكابوس اللي شوفته امبارح وكأنه حقيقة, دخلنا مع عم شعبان عند المدير المسؤل عن المكان, وخلصنا شوية إجرائات تسمحلنا بالتصوير جوه القصر, وفعلا بدأنا جولتنا.

اول ما دخلنا الطرقة طويلة فعلا, عم شعبان سابنا فضلنا انا واسراء نصور, واخدنا شوية عشوائية للمكان, قعدنا طول اليوم في القصر, لحد ما طلعنا الدور التاني, مشينا في نفس الطرقة اللي فيها صور لزعماء وامراء للحقبة الزمنية في فترة قبل ما يتبني القصر, دورت في وسط الصور عن الصورة إياه... انا لسه فاكرها كويس, وفعلا لقيتها, كنت عاوز انزلها واشوف إذا كان فيه في ضهر الصورة دي حاجة ولا لا, وكمان ده هيخليني اعرف احدد اذاكان اللي انا شوفته امبارح ده كابوس ولا حقيقة, اسراء سألتني:

_مالك يا عماد, سرحت في ايه, اشمعنا عند الصورة دي ووقفت؟

سكت شويه وقولتلها:

_انا عاوز انزل الصورة دي.

_انت اتجننت لوحد عرف هنتئذي.

مركزتش معاها وشديت كرسي, طلعت عليه جبت الصورة, لكن ملقتش في ضهرها حاجة, رجعتها بسرعة قبل ما حد يلاحظ حاجة, وكملنا جولتنا في القصر, ولما جه عم شعبان يخرجنا غفلناه واستخبينا, وبعد شوية اتصلت بيه قولتله:

_احنا خرجنا من القصر ومشينا من الباب التاني يا عم شعبان.

_كويس يا ابني انك طمنتني... علشان خلاص هنقفل البوابات.


دلوقتي بقا عندي فرصة اقضي ليله حقيقيه جوه القصر, ومعايا اسراء كمان بعد ما اقنعتها اننا نخوض التجربة, وبصراحة عندي فضول شديد اعرف سر القصر ده ايه, في الأول كنت متحمس للبيات, وبفكر اعمل حجات كتير, واصور براحتي, وبكرة ابقى الاقي طريقة للخروج من هنا.


ومع غياب الشمس اسراء بدأت تقلق, قالت:

_احنا ايه اللي خلانا نقعد, ما كُنا مشينا.

_ايه من اولها هتقولي كده, احنا هنقضي الليلة هنا زي ما اتفقنا.

_طب هنعمل ايه؟

_طلعي الكشاف بتاعك من الشنطة, انا عامل حسابي... متقلقيش.


بدأنا نتحرك في القصر, اسراء كانت خايفة, وبتحاول تبان انها تمام, اتمشينا في الطرقة شوية, المكان بالليل هادي جدا على عكس بالنهار كان دوشة وصوت عالي, في وسط الهدوء ده, سمعنا صوت باب اوضة بيتفتح وبيزيق بصوت عالي, لقيت اسراء اتخضت ومسكت فيا, قولتلها:

_متخافيش ده تلاقي الهواء دخل وفتح الباب بالشكل ده.

كملنا مشي شويه كمان, لكن المرة سمعنا تقريبا أربع او خمس ابواب بيتفتحوا مع بعض بنفس الطريقة, اسراء قالت بخوف وصوتها بيترعش:

_ايه ده؟ ايه اللي بيحصل؟!

_اسراء اخلصي... بطلي خوف, مش كل ما تحصل حاجة تعملي كده.

_طب مفيش لمبة هنا ممكن ننورها؟

_مش هينفع ننور اي لمبة علشان محدش يحس بوجودنا.

كملنا مشي لحد ما وصلنا للسلم من ناحية تانية, السلم عليه تمثال لبنت بفستان مكشوف, قولت لإسراء:

_ايه رأيك نطلع السلم ده, احنا طول اليوم في القصر لكن مشوفناش السلم ده خالص.

قولتلها الفكره دي, لكن انا فاكر شكل التمثال كويس, وحاسس اني صورته قبل كده, قولتلها:

_قبل ما نطلع فوق, يله ناخد للتمثال ده كام صورة.


بمجرد ما وقفت اسراء جمب التمثال ولمسته, على اساس تتصور جمبه, صرخت صرخة سمعت في القصر كله... قالت وهي بتعيط وبتتنهد بسرعة:

_التمثال... التمثال ده حقيقي, يله نمشي من هنا.

وكانت بتشدني من إيدي علشان امشي معاها, وبتقولي:

_ يله يا عماد, يله نمشي القصر ده مسكون, يله بينا... التمثال جسمه طري شبه جسم البني آدمين.

_اهدي يا اسراء مفيش حاجة من دي انتي بس بيتهيئلك, متخافيش انا معاكي, يله نطلع فوق.

اسراء كانت متردده وخايفة اوي, رغم ان انا اللي اقنعتها, انا كمان كنت خايف, وحاسس ان المكان فيه حاجة مش طبيعية, وعلشان كده الفضول أخدني, وقررت اكتشف القصر بالليل, طلعنا فوق, وانا في دماغي هلاقي العُملة المعدن إياها, طلعنا سوا, المكان كله ضلمة, لكن كُنا حاسين ان الأرض لينة, او فيها رطوبة... كل ما نخطي خطوة, نحس ان رجلينا بتخفس لتحت في الأرض, كنا ماشيين وخلاص مش عارفين اصلا احنا رايحين على فين.

كان فيه طرابيزات عليها صناديق إزاز, جوه الصناديق دي تُحف فنية, وابتكارات قمة في الجمال.

واحنا ماشيين كنا بتحرك بالراحة, كنت حاسس ان فيه حد بيراقبنا, او ماشي ورانا, مرضتش الفت نظر اسراء للنقطة دي, فضلنا ماشيين لحد ما صادفنا اوضة منهم, الاوضة دي بابها مفتوح, الفضول اخدني اكتر, كنت عاوز اعرف الاوضه دي جواها ايه, واشمعنا دي اللي بابها مفتوح, روحنا ناحية الأوضة, المكان ضلمة فعلا وميطمنش, دخلنا واحنا بنور الكشافات اللي معانا في كل زوايا الأوضة, لغاية ما لقينا صندوق خشب كبير, وجواه تماثيل غير مكتملة, مش فاهم اية لازم التماثيل دي, بس انا واسراء منسيناش نصور كل اللي شوفنا, اه الصور متصورتش بالطريقة الصحيحة علشان كده لسه قدامنا كتير, واهو هنتعلم سوا, كملنا تصوير بعد خلصنا تصوير كنا خلاص هنقعد نريح, لكن قطع الهدوء صوتت باب القصر تحت بيتفتح, كنا سامعين الصوت كويس وكمان صوت الحارس بيكح, وكان تقريبا فيه حد معاه.

اسراء قالت لي:

_فرصتنا يله نمشي, مش هينفع نبات.

_لا, لو حد عرف اننا لسه هنا هتحصل مشكله.

بعد شويه اتقفل باب القصر تاني, وده معناه ان الحارس خرج, حاولت ابص من الشباك, لكن الشبابيك عالية اوي مش هعرف اطولها, كده يبقى نرجع نصور تاني ونكمل الليلة, لكن اتفاجئنا لما لقينا موبايلاتنا احنا الاتنين خارج نطاق الخدمة, حتى مش عارفين نحدد الساعة كام دلوقتي, في اللحظة دي انا واسراء قلقنا اوي, حسينا اننا فعلا في خطر, قعدنا في زاويا من زوايا الوضة اللي فيها صندوق التماثيل... واحنا الاتنين بنفكر, انا كنت بحاول الاقي حل واطمنها, الأوضة دي يعتبر امان بالنسبه لنا, في عز الهدوء, اسراء بتكلمني:

_عماد لازم نمشي من هنا بأي طريقة.

صوت اسراء بقى يتردد في الأوضة, بطريقة صدى الصوت اللي بنسمعها في الأماكن المقفولة, انا وهي كنا خايفين, دي اول مرة يتردد فيها الصوت بالشكل ده من لما دخلنا القصر, همست لها تسكت لأن حسيت بحركة غريبة جنبي, بعدين قولتلها:

_مفيش حل غير اننا نستنى لحد ما النهار يطلع.


بردو سمعنا تردد صوتي, الأوضة بقت مخيفة بالنسبة لنا, خرجنا من الاوضة دي, قررنا اننا ننزل تحت, نستنا تحت احسن, لكن حوار ننزل لتحت طلع مش بسهولة كده, كنا بنلف في الطرقة, ومش لاقيين اي سلم, لا لتحت ولا لفوق, كأني بلف في متاهة, واحنا ماشيين في عز الضلمة اسراء صرخت جامد وهي بتقول:

_ست هناك, عاوزة حد يلحقها, اهي هناك.

وقفنا انا واسراء في نص الطرقة, رغم ان انا مكنتش شايف حاجة من اللي اسراء بتقول عليها, اخدت اسراء ورجعنا لنفس طريقنا من غير محايده... وفعلا قدرت ألاقي السلم علشان نقدر ننزل, اخدتها, واحنا نازلين, وفعلا ظهرت نفس القطة اللي شوفتها قبل  كده, ظهرت في خيالي, ودلوقتي تظهر قدامي بالظبط مبقتش عارف اللي انا فيه دلوقتي حقيقة, ولا خيال, نزلنا انا وإسراء, وروحنا عند البوبه القبلية, كنا مرهقين جدًا كنت هموت وانام, قعدنا ورا البوابة القبلة, لحد الصبح... لكن محدش جه يفتح, مكنش فيه اي صوت لحد من العمال أو الحراس.

مكنش قدامي غير حل واحد, ده بعد ما موبايلي رجع اشتغل, اتصلت بعم شعبان قولتله:

_عم شعبان انا امبارح لما كنت في القصر نسيت عدسة الكاميرا, ومحتاجها ضروري.

_متقلقش, قولي هي فين وانا اجيبهالك.

وفعلا فتح الباب علشان يدورلي على العدسة, كنت انا اتسحبت ومعايا اسراء, وخرجنا من الباب, وقفت انا عند البوابة الرئيسية, لحد ما عم شعبان يرجع بالعدسة, ولما جابها اخدتها وشكرته من غير ما اقوله حاجة, مينفعش يعرف اننا كنا بايتين جوه القصر, مشينا انا واسراء, لكن اسراء كانت متعصبة سابتلي الكاميرا وقالت:

_انا خلاص مش همشي وراك تاني.

سابت الأستديو ومشيت, لكن انا اخدت الصور اللي في الكاميرا على الجهاز, وفضلت اقلب فيهم واشوف قدرنا نصور ايه... فضلت اقلب في الصور لحد ما لفت انتباهي حاجة غريبة, مش مصدق اللي انا شايفة, لقيت صورة العُملة وصورة الورقة اللي لقيتها في ضهر الصورة, كنت هتجنن ... ازاي الصور دي موجودة, المفروض ان انا كنت بتخيل, وان ده كله مكنش حقيقة.

فضلت اقلب في الصور, لقيت كل الصور اللي انا صورتها في الأول, بس ده معناه ان انا دخلت القصر فعلا وكل اللي شوفته في المرة الأولى ده مكنش خيال, اومال ايه اللي حصل؟! كلمت اسراء اكتر من مرة, بس مش بترد, فضلت اقلب في الصور اللي على الموبايل, لقيت عليه كل الصور اللي صورتها في القصر, انا ازاي كنت بتخيل والاقي  الصور قدامي على الفون, الصور مش واضحة بس كفاية انها موجودة, كنت هتجنن من التفكير, كده ممكن يكون موضوع اللعنة ده حقيقي, ولو ده طلع حقيقة, يبقى انا دخلت القصر حقيقي, وكل اللي شوفته وقتها كان حقيقي, في اللحظة دي وبعد تفكير طويل, قررت ادور واكتشف سر القصر, واعرف ايه حكاية اللعنة دي, اتصلت بإسراء تاني وحكيت لها, مصدقتنيش, وقالت:

_مش ممكن يكون ده حقيقة اكيد بتحلم, طلع موضوع القصر ده من دماغك خلينا نركز في شغلنا.

_انتي مش مصدقاني ليه؟ انا هثبتلك.

_انا نصحتك وانته حر, بس انا عن نفسي لا هدخل القصر لا بالنهار ولا بالليل.

المرة دي معرفتش اقنعها, علشان تيجي معايا مرة تانية لأن هي بتعرف تصور زيي وهتساعدني... وانا راجع شقتي عديت على عم شعبان, كان مستلم الوردية الليلية في اليوم ده, قعدت جنبه علشان اخد وأدي معاه في الكلام وأعرف أيه حكاية اللعنة, ما هو اللي حصل معايا ده مش طبيعي, سألته:

_عم شعبان قولي انته قبل كده شوفت في القصر جن أو عفاريت؟

_تعرف يا عماد انا بشتغل في القصر ده بقالي اكتر من عشر سنين, وياما سمعت اصوات وحاجات غريبة, إيشي وليه (ست) بتصرخ, وإيشي عيال صغيرة وقطط بتعيط, وسعات اسمع كركبة وخبط ورزع, ده غير كلام الناس عن القصر اللي يقولك قصر مسكون, واللي يقولك عليه لعنة, وياما سمعت حكاوي, لكن الحق يتقال انا عمري ما شوفت حاجة.

_بس مقولتليش؟ جربت تدخل القصر بالليل؟

_مالك يا عماد, بتسأل عن القصر كده فيه ايه؟

_اصل انا كمان سمعت عن القصر كلام كتير, وبصراحة عندي فضول ادخله بالليل.

_تدخله ايه يا ابني, بقولك ايه احسنلك تبطل تنخور ورا القصر وتنسى اللي بيحصل فيه, وده لمصلحتك, انا نصحتك وانت حر.


عم شعبان لهجته اتغيرت معايا, بقيت متأكد إنه يعرف حاجة ومخبيها, كمان اسلوبه معايا أكد لي ان القصر وراه حاجة, الفضول زاد عندي, وبقى عندي اصرار على ان اكشف سر القصر, لكن لحد دلوقتي معنديش طريقة اعرف بيها حكاية القصر ده ايه, رجعت شقتي وانا كل تفكيري في موضوع القصر, اكلت ومسكت الموبايل, وفضلت اقلب في الصور اللي صورتها جوه القصر, سرحت وكنت خلاص هروح في النوم, لكن صممت ان اروح القصر دلوقتي وهدخله بأي طريقة, المهم مترددتش وروحت القصر, حاسس ان انا وصلت بسرعة, محستش بالمشوار من شقتي لحد القصر, حسيت ان باب القصر في وش باب شقتي, ومش بس كده ده كمان باب القصر مفتوح, كأنه بيستقبلني, دخلت علطول من غير تردد, ومكنش فيه أي حد واقف على الباب, المكان فاضي والدنيا ضلمة, الباب الداخلي كان موارب, ودخلت, الغريبة لما دخلت الباب اتقفل ورايا, اتشجعت وقولت:

_اظهر وريني نفسك, انته فاكر انك كده هتقدر تتحكم فيا؟!

حسيت بكتلة رياح دافية عدت من ورايا, كأنه حد عاوز يقاومني, او يئذيني لو يقدر, انا كل ده وانا بتعامل على اساس ان الروح اللي سكنت القصر, هي اللي بتعمل كل ده, اكيد دي روح الراجل اللي انا شوفت صورته في القصر, واللي بيقولوا ان هو ده الراجل صاحب فكرة بناء القصر بالحجم ده, بعد ما دخلت القصر, كنت متأكد ان بالليل هلاقي الورقة اللي مكتوب فيها حكاية اللعنة وسر القصر, ممكن يكون اللي انا بدور عليه ده خطر, لكن لازم اوقف اللعنة لحد هنا... مفيش حاجة اسمها لعنة ويجي من وراها خير ابدا.

مشيت في القصر, وانا حاسس ان القصر جواه بركان, حرارة شديدة حواليا, كأني بتحرك جوه فرن بدرجة حرارة عالية, كنت حاسس جسمي كله بيسيح, بقيت اتحرك حركة بطيئة, بحاول اخرج من القصر ده.

واضح ان الحركة جوة القصر هتكون صعبة اوي, بعد شوية كده بدأ الوضع يظبط, وواحده واحده الجو رجع طبيعي, كملت في نفس الطرق علشان اطلع الدور التاني والاقي الصورة, وانا ماشي فجأة ومن غير سبب حسيت بإيد طلعت من الأرض, ومسكت رجلي الشمال, حسيت رجلي اتكلبشت في الأرض, وكمان كنت حاسس بصوابع الإيد اللي مسكت رجلي, قعدت اقاوم واسحب رجلي, وكل ما احاول اسحب رجلي الإيد المخيفة دي تكلبش في رجلي اكتر, وبعد محاولات قدرت احرر رجلي من الرعب ده, انا مشوفتش الشيئ اللي ماسك في رجلي, لأن الدنيا كانت ضلمة اوي, علشان كده معرفتش احدد ايه هو.

مشيت شويه ورجلي بتوجعني, كنت بعرج وانا ماشي, كملت لحد ما وصلت السلم اللي على الدرابزين بتاعه تمثال البنت, المكان ضلمة وانا مش شايف كل حاجة بوضوح, مش معايا غير الموبايل, شغلت الفلاش وطلعت السلم, لما طلعت سمعت صوت جاي من اول اوضة ناحية السلم, الصوت اللي واصلني, كان صوت واحدة بتتنهد, بس دي كانت بتضحك, استغربت اوي من صوت الضحك اللي سمعته, لأن سمعت صوت اطفال بتضحك الصوت شدني امشي ناحيته, وفي اقل من دقيقة, غطى على صوت الضحك صوت كركبة وحجات بتتكسر, سمعت اصوات كتير دخلت في بعضها اتشتت, بعدت عن الأوضة دي, ورجعت ادور على الصورة اللي جيت علشانها, مشيت في الطرقة الللي فيها الصور, مشيت وانا بتلفت على الصورة إياها, لحد ما لقيتها فرحت اوي, حسيت كأن بدور على كنز دهب ولقيته, ولسه هطلع على كرسي اجيب الصورة, فجأة ظهر قدامي نفس الراجل صاحب الصورة, اللي بيحط عمة على دماغه, اتخضيت ورجعت لورا بعدت عنه, المرة دي شوفته بوضوح مكانش خيال ولاحلم, وانا هتجنن دلوقتي, ازاي انا شايفه قدامي بوضوح كده, كنت لسه هجري, لكن الراجل اتكلم, وقال:

_استنى, انته جيت هنا علشان تهرب, ولا علشان تتعلم ولا جيت علشان حاجة تانية... انته جيت علشان تعرف سر القصر, القصر عليه لعنة اتعملت من اول ما بدأو يحطوا اول طوبة تتبني في القصر ده, اتعملت من زمان اوي مع اول حجر طوب يتبني في القصرده واتعملت وقتها اللعنة... إتعملت علشان تحمي القصر, وتحافظ عليه, ويبقى له قيمة, اللعنة إتحطت على القصر علشان تحميه من الحرامية, وحالات السرقة, ولأن العصر اللي اتبنى فيه القصر مكنش فيه أمان, واللعنة دي تخلي الساحر او العراف يخاف يمارس جريمة زي دي, اللعنة اتعملت علشان تقضي على اي حد يحاول يسرق القصر او يتسبب في اي تلف او خسارة في محتويات القصر, لكن قبل حتى ما حد يحاول يسبب ضرر او يبوظ حاجة, القصر بيبعتله رسايل تهديد, زي اللي حصلك بالظبط, ودي فرصتك الاخيرة إما تخرج وتبعد عن القصر نهائيا, أو تلاقي نفس المصير اللي لقاه "الحج سيد" ورجالته لما حاولوا يهدموا القصر, ودلوقتي دي فرصتك, علشان تخرج من القصر, كل ابواب القصر هتتفتح, في الوقت ده تخرج من هنا بسرعة.

في ثواني وفي لمح البصر اختفى الراجل اللي بيكلمني, وسمعت صوت ابواب القصر كلها بتتفتح, كل الابواب اتفتحت في نفس الوقت, اخدت بتاع عشر ثواني مش قادر استوعب اللي بيحصل, بصيت حواليا لقيت الأبواب كلها مفتوحة, واللمبات كلها نورت, جريت في الطرقة, ونزلت تحت واخدتها في لمح البصر وصلت الباب الرئيس, بمجرد ما خرجت من الباب ده, لقيت نفسي واقف قدام باب شقتي, معرفش ازاي ده حصل, للحظة حسيت ان انا مروحتش القصر اصلا, بس انا فاكر اخر حاجة انا كنت نايم على سرير, انا خلاص هتجنن ازاي كنت نايم وبفكر في القصر واللي بيحصل فيه فجأة الاقي نفسي جوه القصر, وبعدين افوق الاقي نفسي واقف قدام باب شقتي, انا دلوقتي بقيت خايف افكر في القصر ولو مجرد تفكير اصحى الاقي نفسي جواه, اللي بيحصل معايا ده سببلي تعب وإرهاق, قعدت على سريري ببص في رجلي لقيت علامة على رجلي, علامة خمس صوابع, افتكرت ان فيه إيد مسكت في رجلي لما كنت في القصر, انا اصلا مش عارف انا روحت القصر فعلا, ولا كل دي خيالات, مقدرتش انام طول الليل, حاولت اتصل بإسراء كتير, لكن مكنتش بترد, فضلت صاحي, وأول ما الشمس طلعت, اخدت شنطتي وروحت الأستديو عديت من طريق تاني لان خلاص قررت اتجنب القصر ده نهائيا, وأول حاجة عملتها, جمعت كل الصور اللي صورتها للقصر ده وحذفتها, واللي اتطبع منه حرقته, وبكده مفيش معايا اي حاجة عن القصر ده, وانا عن نفسي كان جوايا اسئلة كتير تخص القصر ده كنت عاوز اعرف اجابتها, كنت بفكر اتكلم مع عم شعبان واحكيلة كل حاجة بالتفصيل, لكن في اليوم ده إتفاجئت ان عم شعبان مات بسكته قلبية, في القصر وهو ماسك الوردية الليلية, حضرت عزاء عم شعبان وخرجت القصر من دماغي, وبعد وقت اتفتح القصر وبقى مكان سياحي مميز, لدرجة ان انا نسيت كل اللي حصلي مع القصر ده ... كل اللي حصل كأنه حلم عابر. 


 




 





 

تعليقات