القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

رواية ثلاثي الأبعاد بقلم أمل عبد الله الفصل الثانى

رواية ثلاثي الأبعاد بقلم أمل عبد الله الفصل. الثانى

رواية ثلاثي الأبعاد 
بقلم أمل عبد الله الفصل الثانى

خرجت رنا من غرفتها وهي تمسك بهاتفها تتصفح بريدها الإليكتروني علي الفيس بوك في حوالي الحادية عشر مساء بعد أسبوعين من وجودها بالقرية وهذا المنزل الكريه ؛كم مر هذا الوقت عليها كالأبدية مدفونة هنا لا يمكنها التناغم ,ولا الشعور بأهل هذا البيت ,ولا تعرف إلي متي ستبق هنا ,إلي متي سيستمر هذا العذاب ؟ بدأت تشعر بألم رهيب بوحشة الأشتياق للغائب ,وعيناها لم تعد تزرف الدموع من كثرة ما ذرفته حتى الآن ؛فهي تحاول الهروب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ,ومن ناحية أخري تفكر فهل سيجبرها عمها حقاً بالزواج من ذلك القروي المزعج الذي لا تتذكر حتى شكله ولا أسمه ؛لكن كل ما تتذكره هو تصرفه البغيض معها في المطار ؛وإجبارها علي ارتداء عباءة قائلاً بقسوة أن ملابسها غير محتشمة فهزت رأسها تحاول إبعاده عن تفكيرها فهي لا تظن أن عمها حقاً سيفعل هذا بالتأكيد سيعود لوعيه ويتركها تعود لدبي لتعتاد علي حياتها الجديدوة دون والديها ,وفجأة كادت ترتطم بشخص ما فرفعت رأسها لتري من ذلك الضخم الذي يقف بطريقها ,وقبل أن تتأكد من هو سمعت صوت ابن عمها الغليظ يقول لها بحدة :

انتبهي لخطواتك .

كانت أول مرة تنظر له من هذا القرب ؛فهي حقاً كانت قد نست ملامحه ,ونظرت له برأس شامخة دون أن ترد فليتركها لحالها ,وأكملت سيرها لتدخل الحمام ؛فذلك المنزل القروي البغيض رغم أنها كانت تحبه وهي صغيرة وتري به الدفيء العائلي لا يوجد به حمام خاص  بكل غرفة ,وهي لا تخرج تقريباً من غرفتها سوي للحمام وبعض المرات القليلة جداً ضغط عليها عمها  لمشاركتهم وجبة الغداء فوجدته يقول لها بغضب :

-  هل جننتِ ما هذا الذي ترتدين ؟

نظرت له مندهشة فما هي المشكلة في منامتها القصيرة الأكمام  و سروالها القصير الذي يصل حتى الركبة فقالت له بضيق :

-  وماذا أرتدي ؟ فأنا بالمنزل ..أم ستطلب مني ارتداء عباءة هنا أيضاً .   

فنظر لها سامح باستياء ,وهو يستغفر ربه ويبعد عيناه عن مفاتنها الظاهرة أمامه قائلاً بضيق :

.نعم سأطلب منك هذا فعلاً ؛فحتى أن كنتِ داخل الدوار عليك الاحتشام  فأنا موجود ولا يصح ما ترتدين أن يظهر أمامي هل تفهمين ؟

اللعنة كان ينقصها هذا الشخص الرجعي بحياتها ؛ربما بعد قليل يطلب منها أن ترتدي الحجاب في المنزل يبدو أنه  يريد التحكم بها دون وجه حق ؛ ستكون كارثة لو كان يظن أنها ستكون زوجته لهذا يتصرف معها هكذا ستقتل نفسها حتماً أن صمم عمها علي تزويجها إياه فقالت له بغضب شديد بينما دموع القهر بدأت تطرق أبواب جفونها : 

-  سأرتدي ما يحلو لي سواء داخل المنزل أم خارجه ولا شأن لك بى مفهوم  .

فقال لها سامح بقسوة وهو لا يعجبه تبجحها فهل هي غاضبه لأنه يحاول أن يصونها تذكر سماعه لوالدته وهي تتحدث عرضاً أن والده يريد تزويجها إياه فأغمض عيناه بقوة وصاح بها :

أسمعي يا رنا ؛أنتِ لم تعودي بدبي فأنت تعيشين الآن في منطقة ريفية حيث كل تصرفاتك تُحسب عليكِ ,وعلي عائلتك ..وبما أن والدي مصمم أن يرغمني علي الزواج بكِ لحمايتك من غدر الزمن ؛ إذن عليكِ تنفيذ  أوامري دون جدال لا داعي له .

شهقت رنا غاضبة فكلامه يعني أن عمها سيزوجها رغماً عنها فعلاً لهذا القروي البغيض فقالت له ,وهي تشعر أنها ستجن :

سيكون هذا في أحلامك فقط ..؛أنا أتزوج بك ؟ أنت واهم .

,وتركته متجه لغرفتها ,ورغبتها للدخول للحمام قد انتهت تماماً .

قد يعجبك ايضا

******

وفي صباح اليوم التالي صباحاً كان لازال حواره معها يؤرق مضجعها ..فلا يمكنها تقبل هذا الرجل ولا تقبل حياتها هنا بهذا المكان ..وما زاد الأمر سوءً هو باقة الهاتف للدخول لشبكة الاتصالات انتهت ,وهذا أشعرها بالسجن حقاً فهذا كان متنفسها الوحيد هنا ؛بالإضافة إلي العمل علي برنامجها الذي أوشكت علي انتهائه ,وهي لا تعرف أين تجد شركة اتصالات هنا بالقرية لتجدد باقتها ؟ وللأسف الشخص الوحيد الذي من الممكن أن يساعدها بذلك هو سامح ذلك البغيض ؛فعمها مخيف ولا يعجبه أنها لا تخرج من غرفتها أبداً وسيتخذها فرصة كي تخرج وتجلس معهم ,وأيضاً لا تريد التحدث معه في تلك الأمور ,لذا خرجت من غرفتها مترددة وغاضبة لأنها مضطرة أن تطلب خدمة منه لشحن هاتفها ؛كانت تعرف أنه يخرج في حدود العاشرة صباحاً ؛فهي لمحته أكثر من مرة من نافذتها وهو يخرج بمثل هذا التوقيت ..؛فاقتربت ببطيء من غرفة الطعام ,وهي تعرف أنهم يتناولون طعامهم بهذا الموعد تقريباً وعندما دخلت وجدت عمها وزوجته يتناولون طعام الإفطار وسامح معهم فقال عمها ما أن رآها :

تعالي يا رنا تناولي الطعام معنا يا حبيبة عمك .

فدخلت هي علي استحياء وقالت لعمها وزوجته بخجل :

صباح الخير يا عمي ؛صباح الخير يا عمتي .

فقالت لها زوجة عمها بترحاب :

صباح الخير يا روح عمتك ؛هذه أول مرة تأتين لتناول طعام الإفطار معنا ؛وأتمنى ألا تكون الأخيرة .

فجلست رنا تحاول وضع بعض اللقيمات في فمها دون رغبه فعليه في الطعام ..ولاحظت نظرات سامح المستاءة لها لكنه لم يعلق علي شيء 

وبعد قليل وجدته ينهض قائلاً لوالديه :

لقد شبعت ؛سأذهب أنا للعمل أتريدون شيء مني ؟

فقال له والده :

كلا يا ولدي صاحبتك السلامة .

بينما قالت والدته له بضيق :

حاول ألا تتأخر الليلة أيضاً كالعادة يا سامح .

فهو منذ بقاء رنا بالمنزل وهو يتأخر يومياً هز رأسه قائلاً لوالدته بهدوء :

حسناً يا أمي سأحاول .

راقبته رنا وهو يخرج من الغرفة ولاحظت تجاهله الكبير لها فقالت لعمها بسرعة  :

لقد شبعت أنا أيضاً سأعود لغرفتي .

فقال عمها باستياء :

أنت لم تأكلي شيء .

فابتسمت له بهرولة قائلة :

بالعكس لقد شبعت للغاية  .

,وخرجت من الغرفة ,وهي تفكر أن عليها اللحاق بذلك القروي السخيف الذي تري أن أسم سامح لا يناسبه إطلاقاً فهو أسم يدل علي الطيبة والتسامح بينما هو جلف ’وأحمق ؛وما أن فعلت حتى وجدته علي وشك الخروج من المنزل فأوقفته قائلة له:

أنت ..أنتظر .

فالتفت سامح ناظراً لها بدهشة فماذا تريد هذه الآن ؟ فقال لها بهدوء وهو يبعد عيناه عنها يحاول ألا يحدق بها :

هل تتحدثين معي ؟

فمدت له يدها ببعض النقود وقالت له بتوتر :

كنت أريدك فقط أن تشتري لي كارت شحن لهاتفي ؛فلقد نفذت باقة الإنترنت و..

أوشك سامح علي الضحك علي مظهرها وهي تبرر نفسها بتوتر ,وخجل وقال لها بسخرية بينما يري أصطباغ وجهها كلياً للون الأحمر:

ولماذا لا تستخدمين شبكة الاتصالات داخل المنزل فلدينا هنا جهاز خاص متصل بهاتف المنزل .

فنظرت له بدهشة هل حقاً هناك شبكة داخلية هنا ؟ اللعنة فلقد أنهت باقتها وكادت تموت من الغيظ لمجرد أنها ستضطر لطلب هذا منه هو فقالت له بحنق :

ولماذا لم تقل لي هذا باكراً ؟

عقد حاجبيه من رد فعلها الغريب ,وقال لها :

أنتِ لم تسألين ؛ثم يا ابنة العم إذا رغبت في شحن هاتفك لا تجرئي علي إعطائي مال مجدداً فهذه اهانة كبيرة لي ؛فلست بالرجل الذي يأخذ مال من امرأة حتى لو كان لإسداء خدمة إليها .

لوت شفتيها بحنق لا يعجبها كلامه ,ووجدته فجأة يسحب هاتفها من يدها فاتسعت عيناها من تصرفه لكنها وجدته يضع لها كلمة المرور للشبكة ببساطة ثم أعاده لها وقال وهو يشير لجلبابها القصير الأكمام والقصير قليلاً وهو يبعد عيناه :

ثم ألم أنبهك ألا ترتدي ملابس كهذه داخل المنزل خارج غرفك .

اشتعلت غضباً منه ,وقالت بحنق :

قلت لك سأرتدي ما يحلو لي ؛تباً لك .

ثم تركته واتجهت لغرفتها وهي تكاد تشتعل من الغيظ .  


********

كيف حالك الآن يا رنا ؟ أنا سعيدة أنكِ رددتِ علي اتصالي هذه المرة ,وخرجتِ من قوقعتك .

قالت نسرين صديقة رنا هذا الكلام علي الهاتف ,وهي تبدي سعادتها لسماع صوتها  فهي صديقة رنا المقربة ,وهي مصرية أيضاً تقيم بدبي مع عائلتها ورنا كانت لا ترد علي أية اتصالات فهي لم ترغب في التحدث مع أي شخص لا قريب ,ولا غريب فقالت لها رنا وهي تبكي بحزن غير قادرة علي منع دموعها :

لم أرد أن أسمع عزاء من أي شخص فأنا ؛لقد فقدتهم يا نسرين ..بل فقدت حياتي كلها .

فقالت نسرين حزناً ,وهي تبكي رثاءً علي حال صديقتها الحبيبة :

متي ستعودين إلي هنا ؟ أنا أفتقدك كثيراً ؛ ولا يمكنني تخيل أنكِ صرتِ وحيدة .

أزداد بكاء رنا رثاءً علي حالها وقالت بانهيار شديد  :

ذلك الوغد المدعو عمي قال لي بكل قسوة أن أنسي دبي وأنني سأبقي هنا بتلك البلدة الرجعية ؛لقد مر شهر لي هنا ,وأشعر أنه الأبدية ..لكني لن أستسلم خاصة أن عمي يريد تزويجي بابنه ,وهذا سيكون من أكبر المستحيلات .

توقفت نسرين عن البكاء وشهقت قائلة :

يا ألهي زواج ! هل يمزح ؟ ثم أنا أعرف أن بالمناطق الريفية الفتاة لا يكون لها رأي؛ فهل يمكن أن يزوجوكِ رغماً عنك ؟

شعرت رنا بالغضب الشديد وقالت بعصبية وبكائها يزداد :

سيكون هذا من أكبر المستحيلات قلت لك ؛سأبحث عن محامي ,وأتواصل معه كي أحصل علي أرثي وأترك المكان فأبي رحمة الله عليه كان يملك الكثير لذا أنا لن أبق هنا .

فقالت نسرين  لها بشفقة :

وكيف يبدو ابن عمك ؟ هل هو قبيح..صحيح أنا لم أقطن بالأرياف لأعرف لكن التلفاز يصور بعض الفلاحون متزمتين وصعب التعامل معهم .

غطت رنا وجهها بيديها وقالت بينما تحاول كفكفة دموعها الغزيرة :

.بالعكس هو يبدو وسيم لكن بارد وغير متحضر وأكثر من مرة يعلق علي ملابسي بطريقة سخيفة ..تخيلي أنه يريد مني ارتداء عباءة طيلة الوقت وكأني في عصر سي السيد وأمينة . 

سألتها نسرين بفضول :

ماذا عن البرنامج الذي تعملين علية ؟ لابد أنك لا تجدين الفرصة لإكماله .

تنهدت رنا وحاولت الخروج من حالة الحزن لتقول بحماس عن برنامجها الحبيب :

-   بالعكس أن العمل عليه هو ما يهون تعب الحياة هنا ..تخيلي أنه يوجد شبكة للإنترنت هنا بالمنزل ..ذلك الأحمق سامح أخبرني أنهم يملكون جهاز خاص بهم  بعد أن كنت أستخدم رصيدي الهاتفي لأدخل علي الشبكة  .

حاولت  نسرين أن تمزح معها لتخرجها من حالة الحزن قائلة بمرح :

.هل أسمه سامح ؟؟..أسم لطيف أفضل من أسماء ك برعي وعبد المتجلي ..,عبد العال ..,و..

قاطعتها رنا بحزن :

-   هل تسخرين من الظروف القاسية التي أنا بها الآن ؟

تراجعت نسرين قائلة باعتذار شديد :

حبيبتي لا أقصد صدقيني ؛لقد كنت أمزح معك فقط .

تأففت رنا ,وأنهت الاتصال مع نسرين قائلة لها وهي تشعر بالأختناق :

سأحدثك لاحقاً .

ثم ألقت بهاتفها ,وهي لديها رغبة جديدة مُلحة للبكاء .

**********

-  لقد مر شهر ونصف منذ وفاة شقيقك ,وزوجته ألا تري أنه آن الآوان لنعلن خطبة سامح ورنا ,ونقوم بتزويجهم . 

قالت شريفة زوجة سعيد ضرغام هذه الكلمات لزوجها بينما يحتسي شاي المساء بعد العشاء في شرفة غرفتهم فنظر لها وقال لها بضيق شديد : 

-  ما الذي تقولينه يا امرأة! لقد مر الأربعون بالكاد علي وفاة محمد شقيقي ألا تراعين حالة البنت ؟ لوت شريفة فمها بغيظ وقالت له بضيق شديد : 

- هل يعجبك حبس تلك الفتاة نفسها بغرفتها دون الشعور بوجود أشخاص معها بالمنزل ! فهي أمتثلت لأوامرك عندما أرغمتها علي أن تتناول الطعام معنا كل يوم وهي نستاءة ,وبالرغم من هذا تتناول الغداء ثم تعود لغرفتها وكأنها ضيفة ,ولا تفكر في المساعدة في شئون المنزل مُطلقاً فهل يعجبك هذا ؟ ناهيك عن سامح الذي يخرج مبكراً ويعود علي النوم وكأنه ضيف هو الأخر وعندما تشاجرت معه قال لي أن وجوده بالمنزل مبكراً صار صعب لأن رنا ترتدي ملابس تخدش الحياء وهو لا يعجبه هذا  . 

تنفس سعيد بخشونة وهذا الأمر يضايقه فعلاً فأكثر من مرة تحدث معها في شأن ملابسها خارج غرفتها لكنها لم تعبأ بكلامه ؛ولا يريد أن يقسو عليها فهي في كرب شديد لكن كلام شريفه محق فابنه يتجنب الفتنة وعليه أن يساعده علي ذلك فقال لزوجته بحسم : 

-  وليكن يا حاجة فلنتوكل علي الله . 

******

تعليقات