القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

سكريبت فنجان القهوة بقلم الكاتبة إيمان صالح

سكريبت فنجان القهوة بقلم الكاتبة إيمان صالح 

فنجان القهوة بقلم الكاتبة إيمان صالح


سكريبت فنجان القهوة بقلم الكاتبة إيمان صالح



سكريبت فنجان القهوة إيمان صالح 
بقلم الكاتبة إيمان صالح 


فنجان قهوة.. 

إيمان صالح.. 


كل فنجان قهوة كنت بقراه.. كان بياخد مني وقت ومجهود وعمر اكتر من اللي قبله.. قريت فناجين لناس كتير قوي.. مرة كلامي بيصدق، ومرة كان كلامي بيخيب، بس اللي كان كلامي بيصدق معاه وبيطلع صح... كان بيرجع يجيني مرة وإتنين وتلاتة لحد مايمشي على كلامي باللي بقولهوله بالحرف وكإنه قرآن أُنزل .. من هنا عملت زباين كتير وبقى ليا سمعه بين الستات بتوع قراية الفنجان والطالع.. ومابين طبقة معينة من الناس الأغنيا.. 

إسمي جواهر.. من محافظةالفيوم، عمري ٤٣سنة.. جوزي مات وسابني ف نص الطريق..من ضمن البخت سابلي ٤بنات ف رقابتي وكان لازم عشان أوقف بيتي على رجله أشتغل.. أنا ماكنتش بفهم ف حاجة خالص قد قراية الفنجان..كنت وارثة القراية من أمي.. شغلانة الفنجان دي هي لقمة عيشي الوحيدة بعد موت جوزي وهي أسهل حاجة بالنسبالي ف الدنيا بدل البهدلة والمرمطة ... 

  اللي هيسمعني لحد هنا هيفكر الموضوع كلمتين على بعض بيتقالوا لأي ست وياصابت ياخابت وخلاص، بس الموضوع مش كدة خالص.. لأ.. الحقيقة إن فيه بيوت ناس كتير إتخربت بسبب قرايتي لفنجانهم وانا ماكنتش أعرف.. أو مكنتش بشغل بالي يعني، المهم اني ربيت عيالي وكبرتهم من قراية الفنجان والطالع، لحد مابنتي الكبيرة دخلت كلية الطب، وكلها سنتين وتتخرج وتبقى دكتورة قد الدنيا... بس تفتكروا اللي بيمشي ف طريق الطالع وقراية الفنجان عشان ينجح  !! هينفع يبقى لوحده كدة من غير مرشد ولا مساعد في السكة دي؟!.. تفتكروا؟...

طبعا أي واحدة زينا بيتها بيبقى مفتوح للحبايب والزباين على طول، كنت فاتحة بيتي كأنه عيادة بالظبط.. اللي عاوزة تعرف حاجة عن جوزها تدخلي وتشرب فنجانها وندردش شوية، وبعدين أبشرها البشارة.. اللي عاوزة تعرف حاجة متدارية تقعد تاخد الفنجان بتاعها.. وتوشوش الفنجان، وتقوم وهي بتزغرط.. زي برضه ماكان فيه ف الزباين ناس عندهم حزن ياما، وناس شر كتير.. لكن الحكاية اللي هحكيها دي أغرب حكاية قابلتني، 

 أنا مش هتكلم كتير، أنا هخش ف الموضوع على طول... 

يومها كنت قاعدة ف قلب الصالة حواليا حبايبي بشوف شغلي، الكام زبونه اللي حواليا كلهم كانوا معارف سابقة وكدة كدة كانو قربوا يمشوا خلاص، وساعتها لقيت تليفوني بيرن.. مسكته لقيت بنتي اللي ف الكلية هي اللي بتتصل، فتحت عليها وبدأت مابينا مكالمة عالسريع..

_ألو.. إيه يادكتورة؟.. مين؟.. زميلتك؟.. آه طبعا تنور إنتي بتستأذني؟.. خلاص هاتيها وتعالي.. 

بعد ساعة بالظبط لقيت بنتي داخلة ومعاها واحدة من زميلاتها، رحبت بيهم طبعا وإستقبلتها أحلى إستقبال.. 

_ياأهلا ياكتورة ياجميلة إنتي.. 

_أهلا ياطنط.. 

بنتي بصتلها.. 

_يابنتي انتي مكسوفة كدة ليه؟.. بطلي والنبي الخجل دة ياريحانة واتعاملي مع ماما عادي.. 

زميلتها قالتلها بتوتر.. 

_لأ لأ، مفيش كسوف ولا حاجة، أنا بس عاوزة أدردش مع طنت شوية.. 

_دردشي ياحبيبتي.. هوا هعملك فنجان قهوة ونقعد نشرب مع بعض وأقرالك الطالع.. 

وطت ف الأرض بكسرة وقالت.. 

_بس أنا مش محتاجة حد يعرفني بختي.. أنا بختي إسود من نفسه.. 

عقدت حواجبي بتكشيرة وقولتلها.. 

_ياساتر يارب؟.. لية كدة بس؟.. تفائلوا بالخير تجدوه.. 

البنت بصتلي وميلت شفتها ع جنب.. 

_يااه.. من زمان ماحدش قالي كلام فيه أمل.. 

_ياستي الكلام المليان أمل كتير وسهل وببلاش.. بس إنتي إفردي خلقتك ومتكشريش كدة.. 

إتنهدت وبصتلي.. 

_حاضر ياطنط.. إسقيني القهوة بقى.. 

_بس كدة؟.. من عنيا الجوز.. 

قومت بسرعة جبتلها فنجان نضيف ومخصوص وجبت تلقيمة القهوة بتاعتي حطيتها قدامي تاني بعد ماكنت لميتها لما الزباين مشيوا وقعدت ف الأرض.. لقمت القهوة وحطيتها عالسبرتاية وبدأت أبص ف وش البنت دي.. لمحت حزن غريب مستخبي بين تعابير وشها.. سرحت وعقدت وشي وضيقت عنيا وأنا بقول ف سري.. 

_ياترى إيه حكايتك يابنت الناس؟.. شكلك عايشة عيشة مش بتاعت سنك خالص.. ف ثواني كنكة القهوة وشها رفع قدامي، وبسرعة فضيتها ف الفنجان وإديتهولها وأنا بقولها ع حبة حجات تعملها.. 

_أتفضلي ياحبة قلب خالتك جواهر.. إشربي الفنجان، إتنفسي ف قلبيه هتعرفي؟ 

ضحكت وقالتلي.. 

_هههههه.. هعرف؟.. دي لعبتي من وأنا لسة عيلة بلعب ف الشارع.. ماتقلقيش أنا كدة كدة بتنهد لوحدي من غير حاجة.. 

_طب إشربي ياست البنات.. بالشفا يابنتي، ربنا يريح قلبك ويفك كربك قولي آمين.. 

شربت بق وقالت.. 

_آمين يارب.. 

بعد حوالي خمس دقايق.. كانت شربت فنجانها وبدأت اقلبه ف الطبق، وشوية صغيرة وبدأت أقراه.. لما بصيت فيه قلبي اتقبض وماتفائلتش، خطوط الحزن عندها كتيرة وداخلة ف بعضها وعاملة زي الشجر، حتى الفنجان لما قلبته ماطلعش ناشف كدة وماسك نفسه وبارز من كل جنب!!.. لأ كان شكله يقبض.. لقيت نفسي بقولها.. 

_فنجانك مدمع ليه ياقلب جواهر، انتي بتعيطي كتير يابنتي؟ 

_قصدك بتبطلي عياط إمتى ياخالة جواهر .. انا أصلا ماببطلش عياط.. 

_ليه يابنتي؟.. إيه السبب؟ 

_هو مش باين قدامك ف الفنجان ولا ايه ياخالة جواهر؟

مرة واحدة تليفونها رن، فتحت السكة وصوت واحدة ست اللي كلمتها وقعدت تزعقلها.. ف نفس اللحظة قامت وقفت ولبست شنطتها وعنيها مليانة دموع وأستأذنت مننا.. 

_بعد أذنك ياخالة جواهر.. بعد اذنك يارحمة، أنا هروح بقى.. انتي سامعة التليفون بنفسك اهو.. 

بنتي ردت عليها.. 

_ماشي ياحبيبتي، روحي وانا هكلمك ف التليفون.. 

قولتلها بسرعة.. 

_بس أنا لسة ماكملتلكيش فنجانك يابنتي!! 

_ماتقلقيش ياخالتي جواهر.. أنا أكيد هجيلك تاني وهنقعد ونتكلم مع بعض.. 

_مع السلامة ياريحانة، في رعاية الله ياحبيبتي.. 

رحمة نزلت وصلتها.. فضلت أبص ف فنجانها بس مارتحتش.. الفنجان دة شايل كتير.. كتير قوي قوي، من كتر منا عاوزة ابص فيه كل شوية رفضت أغسله مطرحها.. وشلته بالبن اللي فيه.. بعد شوية طلبت من رحمة تجهز الغدا عشان نتغدى، وبعد شويه إتلمينا كلنا  وقعدنا عالطبلية انا وبناتي وفضلت أدردش شوية أنا ورحمة.. 

_صحبتك دي تعرفيها من زمان يابت يارحومي ولا صحوبية عالطاير كدة؟.. أنا ماشوفتهاش قبل كدة يعني.. 

_والله ياماما.. أنا اعرفها بقالي بتاع شهر كدة ولا حاجه، بس هي غلبانة قوي وطيبة ومالهاش حد حنين عليها ف الدنيا غيري يعتبر.. 

_ليه يابنتي هي مالهاش اب ولا أم؟ 

_لأ ياماما.. بتقول ان أمها سابتها من سنين وانفصلت عن ابوها،  وابوها إتجوز طبعا، ومرات ابوها مغلباها.. 

_ياحول الله يارب..طب يابنتي بالله عليكي تخلي بالك منها.. انا مش ناقصة وجع قلب.. 

_حاضر ياماما متقلقيش.. 

فضلنا نرغي كتير واحنا بناكل وخلصنا، وقتها حسيت إن النوم غالبني، بسرعة قومت فردت جسمي عالسرير ونمت محستش بحاجة، وده كان على غير عادتي... لما نمت حلمت حلم، بس  الحلم اللي شوفته وأنا نايمة كان كله هلوسة..

 حلمت بنفسي واقفة على قمة جبل .. حواليا صحرا وجبال متحددة باللون البني، وكأنها مرسومة بالبن.. سفوح الجبل لونها بني وبقيت الجبل لونه أبيض وكأن الجبال دي جوة فنجان قهوة .. الجبال دي مليانة خطوط متعرجة بالطول وبالعرض،وكتيييرة... الجو حواليا يخوف، فيه حواليا أصوات ناس كتير متداخلة ف بعضها، بيعيطوا ويصرخوا ويتكلموا، كله فنفس واحد.. صرعوني.. أصواتهم المتداخلة خليتني حطيت إيدي ع وداني وصرخت بقوة.. وأنا بحاول اهرب من المكان وأطلع منه ولسة بخطي برجلي خطوة.. رجلي داست ع جزء من الجبل وكأنه رمال متحركة.. الجبل كله خدني وإنهار، نزل لتحت.. وأنا بنزل حاولت  أتعلق فأي حاجة حواليا عشان ماأقعش.. كل اللي إيدي طالته حافة من حواف الجبل.. اتعلقت فيها بإديا وبحاول أطلع ع أرض ثابتة... لقيت نفسي بطلع من فنجان قهوة ويابدوب باين من وشي عنيا  وشايفة الصالة بتاعتي وشايفة كل زبايني قدامي...  كان شكلهم غريب، وشوشهم شاحبة بزراق بهتان، وكأنهم عاملين عمليات تجميل أو ترقيع ف وشوشهم، ماعرفش إزاي وشوشهم عاملة زي المتجمعة وكأنهم واخدين من وش كل إنسان حتة،  كل واحدة فيهم قاعدة ماسكة فنجان بتبص فيه ومبلمة ومش واخدة بالها مني أصلا.. قعدت اصرخ صريخ هستيري وأحاول أستنجد بيهم محدش بصلي..

 ببص تحت لقيت قعر الفنجان بركان، حمم بركانية بترمي اللهب  بتاعها عليا، لما بصيت لتحت دخت وعرفت اني لو وقعت فيه هموت، فيه بنت واقعة تحت ف البركان، نصها بس اللي باين من النار وكأنها وقعت قبلي ف نفس المكان.. واقفة بتبص عليا وبتضحك .. صريخي زاد أكتر من الأول وفجأة إيدي فلتت.. ووقعت في قعر الفنجان.. وفجأة فوقت على صوت بنتي الكبيرة.. 

_ماما؟!.. ياماما قومي بقى.. 

اتنفضت من مكاني وكأن حد نجدني من الجحيم، فوقت على صوت شهقتي وانا بقعد عالسرير  اللي نايمة عليه .. 

_ياستير يارب... إنجديني يارحمة.. 

_ياماما مالك.. مالك بس.. 

_بق ميه يابنتي، اسقيني الله يسترك.. 

_خدي ياحبيبتي اسم الله عليكي.. 

إديتني المية وشربتني وقعدت ادعيلها وخدنا الكلام وقعدنا ندردش شوية مع بعض وجابنا الكلام فتحنا سيرة صاحبتها.. 

_خلي بالك البت دي فيها حاجه مش طبيعية. 

_ياماما أسكتي والنبي ريحانة؟.. دي ريحانة غلبانه غلب السنين.

_ماقولناش حاجة، بس أنا حاسة ان البنت دي وراها حكايات كتيرة.

_هي من ناحية وراها حكايات كتيرة فهي فعلا وراها حكايات كتيرة.. ظلم وغلب وقهر إنما إيه، أورجانيك.. 

_إزاي يعني، هي حكايتها إيه دي؟ 

_دي امها مش موجودة، ومرات أبوها زي ماقولتلك قبل كدة هي اللي معاها ف بيتهم، بس مورياها الويل بقى.. 

_آه.. أنا قولت والله حياتها فيها مأساه.. بقولك ايه، اوعي تروحي هناك احسن مرات ابوها دي تكرشك ولا تعاملك بأسلوب مش كويس انتي فهماني؟ 

_أكيد طبعا.. ماتقلقيش هي اصلا مابتدخلش حد بيتها حتى أنا كمان. 

_تمام يارحمة، ربنا يحفظك يابنتي.. انا هقوم بقى اشوفلي مصلحة اعملها، أحسن أنا من ساعة ماصحبتك جت ومشيت ومشتغلتش بولا ربع جنية. 

قومت إتصلت بحبايبي وشوية وجولي وقعدنا مع بعض، منهم واحدة كانت جايبة صحبتها معاها عشان أقرالها فنجانها.. بدأت ف قراية الفنجان بتاعها، بس وانا بقرا المرادي حصلي العجب.. بعد ماشربت وقعدت عشان أقرالها، مسكت فنجانها وفضلت أبص فيه.. لكن كأن كل اللي اتعلمته ف فن قراية الفنجان إتمسح من مخي بأستيكة.. وفجأة.. صدعت، من كتر الوجع مسكت دماغي وغمضت عنيا والستات اللي حواليا بصولي وقعدوا يسألوني مالك بس كإني انا فعالم وهما فعالم تاني..

 أنا كل اللي شيفاه قدامي كانت بنت، بنت لابسة فستان أبيض، ملامحها بريئة  بس وشها زي مايكون مطين ومتبهدل كدة.. البنت كان قدامها ترابيزة مفروش عليها أوراق كوتشينة ومناديل وحبال معقدة وبلاوي سودة.. ببص الناحية المقابلة ليها لقيت مخلوق بس معرفش هو إيه وهما الإتنين واقفين وكأنهم ف تحدي.. البنت أنفاسها بتشيل وتحط ومكشرة وباصة للمخلوق دة والمخلوق اللي قدامها نفس الشكل، المخلوق اللي ماعرفش هو ايه دة كان لابس لبس كدة شبه المحاربين بتوع زمان وفإيدة حربة كبيرة وهدومه مهلهلة، وبعد مابصوا لبعض بتحدي هما الأتنين دة من بعيد جدا ودة من بعيد.. قابلوا بعض بالجري والمخلوق دة حدفها بالحربة قبل مايوصلها بشوية راحت راشقة ف جسمها.. وقعت البنت ف الارض وماقامتش، وأنا وقفت أصرخ والناس  ضيوفي اللي حواليا من اللي بقرالهم الفنجان بيحاولوا يهدوا فيا مش عارفين.. 

بعد يجي ربع ساعة فوقت من اللي حاصلي، بعد ماهدوني وفوقوني ولأول مرة يحصل اللي حصل.. طلبت منهم انهم ينزلوا ويسيبوني... نزلوا وسابوني وقولت للبنات اني هنام...طلبت منهم محدش فيهم يخش عليا الأوضة.. وقعدت شوية مع نفسي،  قفلت باب أوضتي عليا وطفيت النور وقعدت ف خلوة مع نفسي وحسيت اني اتنقلت ف عالم تاني... أنا قاعده مغمضة والنور مطفي حواليا ومفيش حد غيري ف الأوضة.. وف عز سكوتي دة، لقيت درج من أدراج دولابي اللي معايا ف الأوضة بيتفتح لوحده.. بسرعة عنيا فتحت وبصيت ناحية الدرج.. وفجأة افتكرت حاجة مهمة وبدأت أكلم نفسي. 

_آه.. يانهار أبيض!... معقولة؟... الفنجان.. 


بسرعة افتكرت اني حطيت فنجان ريحانة ف الدرج وسبته.. جريت عالدولاب وخدت الفنجان ع أساس اني هغسله وأشيله ف المطبخ، فجأة باب الاوضة أتقفل عليا بالمفتاح لوحده معرفش ليه ولا إزاي، وكإن الفنجان بيتحرك ف إيدي وبسرعة بصيت ف قلبيه..لقيت كلمه  مكتوبة فيه بالبنط العريض.. إبعدي ياجواهر كفاية العمر دة كله ... 

نطرت الفنجان ف الارض من الخضه اللي أول مرة تحصلي ومرة واحدة باب الأوضة اتفتح تاني بسرعة.. بسرعة وطيت عالأرض وأنا خايفة وقعدت ثانيتين ببص له وبعدين أخدته وطلعت أجري عالمطبخ عشان اغسله... بس الغريب، اني قعدت أغسل فيه يجي خمس دقايق، وبعد ماغسلته وخليته زي الفل والمفروض ان البن اللي كان فيه راح، مسكت فوطة عشان أنشفه لقيت الفنجان رجع من تاني ولا كأنه اتغسل أساسًا.. بحلقت فيه وبلمت وبقيت مش مستوعبة اللي بيحصل معايا وبسرعة شلته تاني ف الدرج وجريت على بنتي الصغيرة ناديتها عشان تنام جنبي.. بعد شوية صغيرين نمنا، وصحينا الصبح عشان نفطر ويبدأ يومنا الجديد، قومت وقومت بناتي فطروا ونزلوا ع المدرسة والكبيرة نزلت ع كليتها.. وقفت أغسل مواعين الفطار، وأنا واقفة عالحوض عيني غمضت لدقايق عشان أشوف بنتي رحمة هي وريحانة راكبين عربية والعربية ماشية ف طريق متعرج وزي مايكون الكاوتش بتاعها بايظ وفجأة اتقلبت وعملت حادثة وزي مايكون فيه حد واقف مستني ياخد ريحانة ويمشي ..  فتحت عنيا على كدة ورجعت لورا وباخد النفس بالعافية.. مش قادرة آخد نفسي، فضلت على كدة حوالي ربع ساعة ولما فوقت.. جريت عالتليفون عشان أتصل ببنتي أطمن عليها.. 

_ألو؟... أيوة يارحمة، إنتي فين؟ 

_أيوة ياماما.. أنا لسة حالا متقابلة أنا وريحانة ورايحين نركب. 

قطعت كلامها.. 

_بقولك ايه.. سيبك من البت دي مش كل ماهكلمك هلاقيكي معاها. 

_فيه ايه ياماما مالك؟ 

_مفيش حاجه وإسمعي كلامي. 

_طيب ماشي أنا دلوقتي رايحة الكلية وهبقى أكلمك، أتفقنا؟ 

_تروحي لوحدك يارحمة. 

ردت بخنقة.. 

_خلاص عرفت ياماما ماشي مع السلامة.. 

قفلت معاها السكة ودخلت على أوضتي أقعد شوية، بالصدفة تاني أسمع حاجة ف الدولاب بتتحرك، فتحت بسرعة لقيت المج وكأن حد بيحركه ولما فتحت عليه، فلحظة بطل يتحرك... مديت إيدي ف الدرج جبته  بغيظ ووقفت أكلمه وأنا متضايقة.. 

_أنا مش عارفه انت إيه حكايتك بالظبط إنت والزفته اللي شربتك.. مفيش وراك غيري تشتغلني ولا إيه؟ 

مرة واحدة لقيت البن اتجمع ف الفنجان وبدأ يتكتب كلام وكإنه بيكلمني.. والكلام اللي ظهر قدامي، كان كأنه بيحكيلي حجات عني .. فاكرة اللي عملتيه زمان؟.. فاكرة أذيتي كام إنسان؟.. قعدت ابص ف الفنجان وكنت هتجن وقعدت أتكلم معاه وكأنه شخص وهيفهمني.. 

_أنت عاوز مني إيه؟.. مفيش مخلوق هيحاسبني عاللي عملته أو بعمله، ربنا بس هو اللي هيحاسبني.. 

فجأة سمعت صوت ضحكة رنت ف أركان الاوضة كإنه صوت راجل معايا فنفس المكان، قعدت اتلفت حوالين نفسي وبصيت تاني عالفنجان لقيت المكتوب فيه.. لو بتخافي من ربنا ماكونتيش عملتي اللي عملتيه زمان.. 


مرة واحدة وكأن الزمن رجع بيا لورا وشوفت نفسي وأنا عيلة وابتديت افتكر كل اللي حصلي زمان... شريط الزمن كأنه بيمر بيا وبيرجع لورا وبيوريني حجات مبحبش اشوفها ولا افتكرها، ساعتها كل غضب الدنيا اتجمع ف عقلي وقلبي، وفضلت اصرخ وانا بقول. 

_هو الفنجان دة ملعون.. البنت اللي شرباه ملعونة، ملعونة.. 

بسرعة حدفت الفنجان ف الأرض ونزل متفتفت ستين حتة وفنفس اللحظة إتنطرت من مكاني رجعت لورا، إتخبطت بكل قوة ف الحيطة وقتها أغمى عليا محستش بحاجة.. بعد ربع ساعة بالظبط... قمت على رنة تليفوني بيرن جنب ودني، فقت ومسكته وانا دايخه رديت بالعافية.. 

_ألو.. إيه؟  بنتي فيها إيه.. طب جاية جاية بسرعة.. 

ف لحظة وقفت على طولي ونسيت تعبي وحالي اللي كان متشقلب.. لبست عبايتي وطلعت اجري بطرحتي فإيدي، طرت عالمستشفى... أيوة المستشفى، أصل المكالمة اللي جتني كانت من رقم حد بلغني ان بنتي عملت حادثة بالعربية هي وصحبتها ونقلوهم عالمستشفى، انا طبعاً لما سمعت الخبر طلعت أجري عشان اشوف بنتي فيها إيه... نص ساعة بالظبط وكنت ف المستشفى اللي هما فيها، طلعت العنبر لقيت الاتنين ف عنبر واحد، ريحانة هي اللي قابلتني الاول.. بصتلها بكل قرف من فوقها لتحتها واتوجهت للسرير اللي عليه بنتي، بصيت عليها لقيتها نايمة على سرير ف العنبر وكل جسمها كدمات زرقا وخبطات، اول ماشوفتها جريت عليها وأنا بصرخ.. 

_بنتي.. بنتي حبيبتي  ، ياحبيبتي يابنتي.. 

خدتني فحضنها وفضلت تهدي فيا.. 

_ماما.. حبيبتي أهدي أنا كويسة والله.. 

_الحمد لله ياحبيبتي أنك بخير الحمدلله.. 

بعدت عن بنتي وبصيت لريحانة بكل حقد، بصيتلها وقولتلها. 

_إنتي يابت.. إنتي تبعدي عن بنتي خالص  وتنسي انك عرفتيها نهائي.. انتي فاهمة؟ 

 بصتلي بكل ثبات وضحكتلي ضحكة خبيثة، ضحكتها خوفتني قوي، بصتلي بتحدي وقالتلي.. 

_إنتي زعلانة مني ليه؟... انا ما أذيتهاش ف حاجة، بالعكس.. انتي اللي أذيتينا احنا الاتنين.. 

_انتي بتخرفي بتقولي إيه.. أذيتكوا ازاي أنا؟ 

_بكرة هتعرفي كل حاجة، وهتفهمي اني أكتر واحدة خايفة عليكي. 

رحمة بصتلي بغضب.. 

_ماما.. من فضلك ياحبيبتي ماينفعش اللي انتي بتعمليه مع البنت دة.. 

ريحانة قاطعتها.. 

_سيبيها يارحمة.. هي اكيد أعصابها تعبانة من اللي حصل. 

قولتلها. 

_انتي بس ابعدي عننا واحنا هبقى زي الفل. 

ردت بنتي.. 

_مابس بقى ياماما بس بقى، كفاية.. 

لسة هرد عليها لقيت واحدة ف منتهى الشياكة داخلة علينا من باب العنبر، دخلت على طول عالسرير اللي نايمة عليه ريحانة، كان باين على وشها انها ف منتهى القلق عليها.. لما شوفتها ماكنتش اعرف هي مين، بس لما بدأت تتكلم معاها ابتدينا نفهم انها مرات أبوها وجاية تزورها .. 

_حبيبتي.. ريحانة، ألف سلامة عليكي. 

ريحانة ساعتها بصتلها بغضب وقالتلها.. 

_يوووه  !!.. انتي ايه اللي جابك هنا ياستي.

_ياحبيبتي أنا جيت عشان أطمن عليكي. 

_أنا كويسة ياستي.. ماتقلقيش، أنا مش عارفه بس انتي عرفتي منين ايه اللي قالك. 

_هو انتي ماكونتيش عوزاني آجي ياريحانة ولا إيه؟.. بلاش آجي أطمن عليكي يابنتي؟ 

ردت عليها بكل فظاظة.. 

_لأ، مكنتيش جيتي.. أنا مش عاوزة أشوفك. 

ردت عليها الست دي وقالتلها.. 

_برضه ياريحانة؟.. طب يلا عشان نروح. 

البنت كانت بتبصلها بمنتهى القسوة. 

_مش هروح معاكي.. روحي انتي.. 

لقيت نفسي بقولها.. 

_ماتقومي تروحي مع الست.. مش كتر خيرها انها جت تاخدك وزمانها سايبة بيتكوا وولادها لوحدهم؟ 

الست بصتلي بدهشة وبصت لريحانة بإستغراب.. 

_برضه ياريحانة؟... برضه اللي فيكي فيكي  !! 

_ماتمشي بقى، إمشي.. 

الست دموعها نزلت تجري على وشها وفضلت تعيط من غير صوت وبصتلها بحزن.. 

_ماشي ياريحانة.. بكرة هتندمي، بكرة هتقولي ياريتني أكرمت الست دي. 

 قالت لريحانة الكلام دة وأخدت بعضها ومشيت ومبصتش  وراها.. هي مشيت من هنا وبعد ريحانة ماأتأكدت انها مشيت انهارت هي كمان بالعياط، قعدت تبكي بحرقة ووطت وشها عالفرشة اللي نايمة عليها.. 

_كدة كدة قربت خلاص.. خلاص قربت.. 

انا سمعت كلامها وشوفت طريقة تعاملها مع الست دي وبقيت مش طيقاها أكتر.. بصيت لرحمة بنتي وقولتلها. 

_شايفة؟... شايفة الهانم اللي انتي عملاها صحبتك؟.. والله العظيم يارحمة لو جبتيها البيت تاني لاهبهدلك قدامها.. 

_حاضر ياماما حاضر. 

بعد ماعدى اليوم خدت بنتي وروحت.. روحت بس بعد يوم طويل وغريب ومن أغرب الأيام اللي عدت عليا.. والأغرب اني لما روحت البيت لقيت البنات كل واحدة نايمة ف حته، قومتهم وأكلتهم هما ورحمة ونيمتهم تاني ودخلت ع أوضتي..

 بس أنا كنت سايبة أوضتي الفنجان واقع متكسر فيها وعاوز يتلم ويترمي ف الزبالة، بس أول مادخلت.. لقيت الفنجان مش ف الأرض والأوضة مكنوسة وكأن محصلش فيها حاجة من أساسه.. وقتها مخي اتلخبط، كنت هتجن.. لدرجة اني مابقتش عارفة أنا لميته قبل مانزل لبنتي ولا سبته .. بس أنا متأكدة اني سبت كل حاجة وطلعت أجري عليها، روحت لحد الدولاب اللي كنت شايلاه فيه قبلك كدة، والمفاجأة اني لقيته جوة الدرج بتاع الدولاب.. لأ وكمان متجمع ومتلزق بالحتة مش ناقص منه ولا حتة واحدة، بس اللزق بتاعه لون البن، ساعة أما شوفت الفنجان ف الدرج قفلت عليه ورجعت لورا وأنا بعيط.. 

_انت عاوز مني إيه بس.. عاوز إيه.. 

وقعت ف الأرض بإنهيار، اللي محيرني إني بحارب حاجة مش معروفة.. ولا فاهمة ايه اللي بيحصل..  


عدت الايام علينا وكل يوم كان بيعدي عليا وأنا كويسة انا وعيالي كنت بحمد فيه ربنا.. لحد مافيوم رحمة جتلي من الكلية منهارة وكإنها جاية من ميتم بالظبط، قعدت أسألها وقتها ملك، بس رفضت خالص تكلمني ودخلت ع أوضتها من غير ولا كلمة، فضلت طول النهار ماطلعتش حتى بصت عليا، رحت دخلالها عشان أعرف مالها... دخلت لقيتها نايمة ع سريرها ودافسة راسها بين المخدات ومنهارة من العياط.. لما شوفتها كدة اتخضيت وقلبي وقع ف رجليا من خوفي عليها، ساعتها مكنش ينفع بقى أطلع وأسيبها ولا الكلام دة، بسرعة قعدت جنبها وقولتلها.. 

_إيه دة بقى ياست هانم؟.. من إمتى وانتي بتيجي من برة تقفلي ع نفسك الباب؟... من أمتى وانتي بتيجي تعيطي لوحدك كدة أصلا؟ 

ردت وقالتلي.. 

_سيبيني فحالي باللعه عليكي واطلعي برة.. 

اتضايقت قوي وقولتلها.. 

_طلعت روحك من لوحك ياشيخة.. انتي بتكلميني كدة ليه؟.. كله من الصاحبه السو اللي انتي اتلميتي عليها الأيامدي.. 

مجرد ماسمعت مني الكلام دة قامو وغضبت وصرخت فوشي بعزم مافيها.. 

_سيبيها فحالها.. أهي سابتلك الدنيا وماتت.. 

الخبر نزل ع وداني زي الساعقة، لقيت نفسي بقولها.. 

_هي مين دي اللي ماتت؟ 

_ريحانة ياستي، ريحانة اللي كنتي شيلاها فوق دماغك.. مش ماكنتيش عوزاها تبقى جنبي؟.. اهي سابتهالك ومشيت خالص... 

بسىعة قامت من ع السرير وطلعت كتاب من كتبها  ووقفت تدور على حاجة فقلبيه وقالتلي..

_بالمناسبة.. هي سايبالك الجواب دة.. بس بتقولك ماتفتحيهوش غير لما تزوري بيتها. 

بصيتلها وانا مش مصدقة.. 

_بتقولي إزاي؟.. انتي بتضحكي على عقلي.. مش بتقولي انها ماتت؟ 


_آه ياحلوة.. ماهي سابت لكل الناس المهمة ف حياتها جوابات ومن ضمنهم أنا وانتي.. إرتاحي بقى، اهي لابقت هتجيلي ولا هعرف أشوفها تاني ف الدنيا من اساسه..  

كلام بنتي عنها وجع قلبي ساعتها.. ماأعرفش ايه اللي حصلي بس ببص لقيت نفسي اتفتحت ف العياط عليها بحرقة ومقدرتش امسك نفسي.. 

بعد أيام عدت.. 

قررت اننا لازم نروح انا ورحمة نعزي مرات أبوها، طبعاً لبسنا وجهزنا وروحنا  .. ولما وصلنا لبيتهم، عرفت العجب...  وصلنا قدام البيت، قدام بيتهم كان فيه باب كبير مفتوح، بيتم عامل زي بيوت العُمَد بتوع زمان.. دوار كبير كدة وأبوابه  مفتوحة.. دخلنا البيت لقينا الست اللي زارتها ف المستشفى ف وشنا.. قاعدة لابسة أسود ورابطة راسها بطرحة سودة ووشها منفوخ من كل ناحية من العياط وقاعدة شاردة وسرحانة ولا دريانة خالص بأي حاجة حواليها .. أول مادخلنا البيت رمينا السلام مابصتلناش.. رحمة دخلت قعدت جنبها ومسكت إديها وبدأت تتكلم معاها.. 


_شدي حيلك ياطنت.. البقاء لله.. 

سمعت صوتها رفعت راسها من الأرض بالراحة وفضلت تبص ف ملامحها وابتسمت بالراحة وقالتلها.. 

_رحمة.. حبيبتي وحبيبة قلبي. 

فتحت دراعها وحضنت البنت حضن أموي، حضن مايطلعش غير من أم قلبها مكوي ع ضناها.. بصيتلها بشقفة وقولتلها.. 

_إجمدي يامدام... البقاء لله.. أهي كدة كدة كانت بتعامل حضرتك بطريقة وحشه. 

بصتلي ورقبتها بتتهز وقالت.. 

_ياريتها كانت عرفتني من البداية، ياريتها كنت هتصرف..

بصت لرحمة.. 

_ربنا مايحرقش قلبك على بنتك.. 

الحمد لله انها مش بنتك، إحمدي ربنا. 

ف ثانية لقيتها بتبصلي جامد وضحكت.. 

_هههههه.. مش بنتي؟.. اومال هي بنت مين؟ 

_الله؟.. هو مش حضرتك برضه تبقي مرات أبوها؟ 

صرخت بقوة.. 

_اسكتاااي.. إسكتي ياست ماتوجعيش قلبي أكتر.. آه يابنتي. 

_بنتك؟.. أنا مش فاهمه حاجه طب فهموني. 

بصتلي أنا ورحمة وقالتلنا.. 

_يظهر انكوا ماتعرفوش حاجة.. ولا تعرفوا ريحانة حكايتها أيه.. ريحانة بنتي من صلبي، أنا وأبوها الله يرحمه ماخلفناش غيرها أصلا.. 

بصينا لبعض أنا ورحمة راحت سألاها.. 

_الله يرحمه؟.. يعني إيه هو عمو مش عايش ومتجوز حضرتك على مامتها ومامتها ماسابتهاش ومشيت هي كمان؟ 

الست بصت ف الأرض وقعدت تضحك ضحكة سخرية وقالتلنا.. 

_ ههه.. والله العظيم كانت تنفع مؤلفة.. مش عارفه بس ليه  مافكرتش ف حاجة عظيمة زي دي وعملتها بدل المصيبة اللي وصلتلها دي.. 

ردت عليها رحمة.. 

_طنط.. احنا مش فاهمين حاجة على فكرة وماما خلقها بيضيق بسرعة فاأرجوكي فضفضي معانا، انتي شكلك على آخرك خالص.. 

_حاضر.. أنا هحكيلكوا.. برغم ان اللي هحكيه صعب وغريب جداً، بس أرجوكوا تصدقوني.. أنا بتهيألي ياست جواهر هي سابتلك جواب شارحالك فيه حجات كتيره، ابقي أفتحيه لما تروحي. 

_الجواب دة عبارة عن إيه.. 

_لأ ماتقليش، محدش فينا يعرف رسالة التاني فيها إيه.. يعني انا معرفش هي كتبالك ايه.. ولا انتي، هتعرفي هي كتبالي ايه غير لما كل واحده فينا تحكي للتانية.. 

_طب أنا مش فاهمه، ياريت تفهمينا.. 

_حاضر.. بنتي، بنتي كانت مخاوية. 

ساعة ماسمعت كلمتها دي جسمي قشعر وشعره وقف.. حسيت بحاجة غريبة وقولتلها.. 

_إيه اللي انتي بتقوليه دة مش فاهمه.. 

_لأ المفروض انك فاهمة.. البنت كانت مخاوية.. مش انتي بتاعت الفنجان برضه؟ 

سؤالها شككني فنفسي.. 

_آه،اه ياحبيبتي.. انا بتاعت الفنجان.. ليه هي دي فيها مشكلة؟ 

_لأ ياست جواهر.. انتي بس اسمعيني ولما هتسمعي الحكاية يمكن تفيدك. 

_احكي ياستي انا سمعاكي.. 

بصتلنا تاني وبدأت تكمل كلامها.. 

_موضوع بنتي بدأ من زمان.. من سنين طويلة وهي طفلة.. كانت بتقف مع بباها تلعب جنبه، مكنش بيحب يزعلها أبداً ولابيرفض لها طلب.. أبوها كان ساحر، كان بيحب ألعاب العقل والحيل وكل الحجات دي.. بس الحيل البسيطة دي  !!... مامنعتوش أنه يحضر واحد منهم ويسخره لنفسه ف عمايل أي حاجة يطلبها منه.. 

 رحمة سمعت الكلام صُعِقَت وشهقت وقالت للست.. 

_ياساتر يارب؟!... ايه دة.. اللي بتقوليه دة حقيقي؟ 

_للأسف.. وللأسف هو اللي علم ريحانة كل الحجات دي.. كل الألعاب البسيطة دي حفظتها من وهي طفلة  

.. بس المصيبة اللي هو ماكنش عامل حسابها، لما شافته مرة وهو بيستحضر الجن دة وعرفت بسره معاه.. البنت كانت وقتها لسه طفلة ف مرحلة المراهقة.. كنت أيامها بقرب منها وأحاول أبعدها عن كل المكان باللي فيه.. لكنها رفضتني ومن وقتها وهي بقت تناديني على اني مرات أبوها.. كل دة عشان عاوزة أبعدها عن حاجة بتحبها ومتيمة بيها.. لكن الموضوع ماخلصش هنا.. الموضوع اتطور معاها وبقت عاوزة تستحضر واحد هي كمان.. بما إنها كانت قريبة لأبوها اكتر، مني، راحت وحكتله اللي هي شافته، وقتها طبعا ابوها ثار وزعل منها ومنعها خالص تدخل المكان الخاص بيه.. لما عمل كده.. فضلت تراقبه من بعيد وتراقب كل تصرفاته وحركاته، بعد سنتين اتنين بالظبط، سنتين اتنين اتقنت أستحضار الجن.. لكن المصيبة انها اتقنت إستحضار الجن التابع لأبوها، وف ليلة من الليالي وكلنا نايمين قومنا على كارثة أنا وبباها.. البنت استحضرت الخادم التابع لأبوها وبكتاب من كتب السحر الخاصة بيه حاولت تخليه تابع ليها هي كمان، وعشان دة يحصل.. كان لازم أبوها يموت.. واللي قتله من غير، قصد هي والخادم الخاين.. من اللحظة دي ريحانة اتحولت من أكتر شخص كان عملي ونشيط وبيحب يتعلم حجات كتيرة جدا.. لشخص شراني مش بيفكر غير ف الأذى.. ماكانتش بتعرف تعمل حاجة بعد موت ابوها غير أنها تإذي أي حد وكل الناس.. اي بنت ليها أب لازم تفرق بينهم، أي أم معاها بنتها لازم تسلطه عليهم لحد مايموت حد فيهم.. ف كل دة، كانت بتبعد عني، وبتبعد وبتبعد.. وكأنها كانت عارفة انها بتستعد عشان تمشي.. وبعد الحادثه اللي حصلت لهم من شوية، بدأت حالتها الصحية تتدهور بشكل مش طبيعي، غلبتني أيام عشان بس آخدها أكشف عليها، وعلى بال ماأخدتها عشان تكشف وحجزوها ف المستشفى، بعد كام يوم كانت ماتت.. عشان أكتشف أنها كانت مريضة سرطان... من كتر حزنها على ابوها اللي مات بسببها، والمرض سكن جسمها، احساسها بالذنب كان أقوى من نسيانها للموقف، الحمد لله.. أنا راضية باللي حصل، وبإنهم هما الاتنين راحوا مني بدري.. بس أنا اللي مزعلني انها كانت بتعمل كل دة عشان لما تموت ماتبقاش ميتة وأنا قلبي متعلق بيها.. غبية.. ماتعرفش هي عملت إيه فيا.. حرمتني منها ف الدنيا قووي.. مبقاش قدامي غير، اني اروحلها الآخرة بسرعة بقى.. هي دي كل الحكاية، اللي كتبتهولي فجوابي، انها فهمتني هي كانت بتعمل كدة ليه معايا وطلبت مني أسامحها.. وقالتلي أبلغك رسالة ياست جواهر.. قالتلي أقولك إبعدي،  هو دة اللي قالته ومعرفش حاجة تاني.. 

بصيتلها وأنا الدموع عمياني أنهار نازلة وقولتلها.. 

_بس خلاص.. أنا فهمت رسالتها.. يلا يارحمة،، خدت بنتي فإيدي ومشيت عالبيت وطول السكة وأنا كل خطوة بدبها ف الأرض بتفكرني بمصيب. عملتها فحياتي وأنا لسة عيلة ف نفس سنهم.. أنا كمان وأنا صغيرة كنت زي ريحانة.. بس أنا موضوعي مختلف شوية.. انا بقى أمي كانت بتحضرهم عليا.. هتقولولي هما مين هقولكوا الجن، أيوة كانت عملاني وسيط وأنا لسة عيلة صغيرة.. أصل أمي كانت اشتغلت كذا شغلانة كدة واحنا لسة عيال وماجابوش معاها قرش حلو.. حبة ماشطة وحبة دلالة، ولقت فلوسهم قليلة.. لما شغلت دماغها اتصاحبت ع كام واحده من اللي بيقروا الفنجان لحد ماتعلمته وبقت أشطر منهم، الموضوع سمع معاها والناس بقت تجيلها عشان تشوفلهم الطالع، بس هي ماكفاهاش كدة.. لأ.. شغلت مخها اكتر واياميها كان طالع تقليعة الوسيط الروحاني دة جديد.. وقتها كان عندي يجي ٨سنين كدة، بيتنا كان عبارة عن دور أرضي وتحتيه فيه بدرون كبيير قوي كانوا بيستعملوه زمان ف تخزين القطن والغلة والرز، وطبعا احنا كنا غلابة فكان بدروننا فاضي، البدرون دة كان ع طول مقفول ومفيش حد بينزله، بس دايما كنا بنسمع فيه صوت حركة وخربطة وأصوات مش طبيعية.. يومها اللي فكراه إن انا وهي سمعنا صوت رزع جامد تحت قوي، كل اللي قولتهولها.. 

_هو إيه يما صوت الرزع دة؟

وشوشتني بصوت واطي.. 

_أسكتي يابت.. أسكتي الله يخربيت جرئتك دي.. 

_انتي خايفة كدة ليه يما؟.. هو ايه اللي تحت؟ 

تنحتلي.. 

_عايزة تعرفي يعني؟.. داني نفسي معرفش.. 

_ماتخافيش يما مفيش تحت حاجة تخوف. 

عنيها بصتلي وراحت قيلالي.. 

_طب إيه رأيك لما تنزلي تبصي بصه كدة على عرايسك القماش اللي بتضيعيهم؟ 

_ياسلام؟.. قوي قوي.. ماشي، هاتي اللمبة الجاز وأني هنزل وأطلع هوا.. 

_ياسلام ياختي؟.. وأفعد أنا وأخواتك من غير اللمبة  الجاز؟.. لأ انزلي بسرعة قوي واطلعي.. 

فاكرة اللحظة دي قوي.. عشان أنا بصيتلها بكل براءة وقولتلها.. 

_حاضر يما.. بس إوعي تنسيني تحت ولا تقفلي عليا لاحسن أموت من الجوع تحت.. 

_يانضري؟... دول هما دقيقة يابت. 

_ماشي يما، ثواني وطالعة.. 

نزلت اجري عالبدرون وأنا ماعرفش ايه اللي بيحصل.. بس كل اللي فكراه صوتي وانا بقولها سيبي الباب مفتوح يما عشان ينورلي، وفجأة الباب اتقفل بالترباس عليا من فوق وماطلعتنيش غير بعد ٣أيام ف الضلمة.. ٣أيام لطفلة لا أكل ولاشرب، كنت كل اللي بعمله إني بصرخ بعزم فيا عشان حد يسمعني، بس محدش سمع.. بعد ماعدا عليا أسبوع بعد ماطلعتني، كنت طالعة عندي جفاف وسوء تغذية.. وعشان حالة الصرع اللي جتلي.. مارضيتش تكشف عليا لاتتفضح وتتحبس، ومن وقتها وهي وصلت للي كانت بتحلم بيه وبقت أشهر واحدة بتقرا الفنجان وعندها وسيطة روحانية... طبعاً لما عرفت إني أتلبست.. بقت تحضرهم عليا عشان توصل للي هي عوزاه.. فضلت معذباني كل شوية جلسة لحد ماجسمي كان خلاص، مابقتش مستحملة، في الوقت دة هي كانت عميت، وأنا بقى قررت اني اخد بتاري القديم ودبرتلها نازلة لتحت في البدرون.. بس أنا بقى سبتها لحد ماماتت، يومها خطتت اني هروح لواحدة صحبتي من الصبح، وفعلا روحتلها وقعدت معاها بعد ماقفلت عليها، عملت كدة وبعد نفس المدة  هما ال٣ أيام رجعت أسأل الناس عليها عشان مش لاقياها، رسمت عليهم الدور وفجأة اتفاجئنا كلنا بأنها وقعت في البدرون وماقدرتش تطلع بسبب عماها.. إتخلصت منها بنفس الطريقة.. من وقتها وأنا حاولت أخلص من اللي عليا.. بس مارضيوش يطلعوا أبدا.. كل الطرق ماجابتش معاهم نتيجة.. بعد معاناة وتعب وكل شوية كانت حالة الصرع تحصلي بدأت أقرا قران، ف الوقت دة بدأت أخف شوية، وقتها وجهت كل قوتي لقراية الفنجان ونجحت فيه أنا كمان.. بس كنت عارفة انهم معايا منين ماأروح.. 

هي دي حكايتي من الأول للآخر.. لسة فاضل اني أعرف الجواب مخبي إيه.. 

أول ماروحت قفلت ع نفسي أوضتي وقعدت أقراه.. وكان اللي مكتوب فيه.. 


عزيزتي جواهر.. أنا ريحانة صديقة بنتك.. بنتك هي الإنسانة الوحيدة المريحة ف العالم، ودة معناه ان انتي فيكي نطفة بيضة لسة.. ماتستغربيش لما هقولك انك لما بتقري الجواب دة هكون ف قبري.. بس أنا قولتلك وأنا عايشة ابعدي، وبقولهالك تاني، ارجوكي ابعدي، ابعدي عن الطريق دة.. أنا بمجرد ماصاحبت بنتك وبدأت تكلمني عنك الخادم بتاعي كشفلي كل حاجة عنك.. طبعاً مش بيعلم الغيب غير ربنا.. بس اللي ف خدمتك مؤذيين أكتر مما تتخيلي.. وعلى فكرة لما دخلت بيتك كانوا مش طايقين وجودي.. خلاصة الكلام، اتخلصي من أي حاجة ممكن تقربك من الطريق دة.. لأنك لو كملتي فيه هتتأذي انتي وعيالك، وخدي عبرة من اللي أنا فيه.. أنا طلعت مريضة كانسر.. أيوة، وعلى فكرة ف المراحل الأخيرة.. أنا طلبت الموت وربنا استجابلي.. انتي بقى نجي نفسك عشان ماتروحيش عاصية... 

صديقة بنتك المخلصة/ريحانة.. 


بعد ماقريت الجواب وقفت وكأني بشوف حياتي دي لأول مرة.. وقفت أبص حواليا فكل مكان وكل اللي طلع عليا أني مسكت إيد المقشة بتاعت البيت وقومت كسرت كل حاجة ليها علاقة بالشغل.. ماخليتش أي شئ خالص يربطني بقراية الفنجان لا من قريب ولا من بعيد.. 

 وبعد سنة... 

الغريب اللي حصلي.. اني أنا كمان جالي السرطان وقعدت  أعاني معاه السنة اللي فاتت دي كلها.. بس يظهر أني بعد كل اللي عملته دة، إن ربنا كاتبلي عمر تاني.. النهاردة كان آخر فحص وسحب عينة ليا، والدكاترة قالولي ان المرض اختفى من جسمي..  المرض اختفى.. وأنا بدأت صفحة جديدة ف حياتي مع ربنا من غير أي ذنوب... 

#تمت...  

#فنجان_القهوة..

#سكريبت..

#إيمان_صالح..

تعليقات