سكريبت أوضة الدروس بقلم إيمان صالح
أوضة الدروس بقلم إيمان صالح
سكريبت أوضة الدروس إيمان صالح
إيمان صالح..
ساعات مناسبات بتسيب لنا ذكريات جميلة، وساعات مناسبات تانية بتسيب وجع في القلوب..
أنا رهف.. عمري ١٧سنة، طالبة في ٣ثانوي..أيامنا كلها مذاكرة ووجع قلب وكل حصة جديده في الدروس بنروح عند طالب فينا ناخد الدرس ونخلص ونمشي، كنا يوم بعد التاني المجموعة بنزيد بنت أو ولد جداد، ومع زيادة العدد، المستر اللي يبقى بابايا يعني.. كان بيروح عند الطلبة اللي بيوتهم واسعة عشان يدينا الدرس..موضوع مرواحنا كل حصة عند طالب دة كان عامل مشاكل كتيرة، كل يوم تقوم مشكلة مع بابا في المجموعة..الأزمة التانية ان بيوتنا مش قريبة من بعض.. كلنا متفرقين في كذا مكان.. حتى أهالي زمايلي اتحايلوا على بابا كتير يودينا سنتر، لكنه رفض..كان بيقول ان إيجار أي معهد هيبقى غالي عليه ومن رأيه ان شقة كبيرة بتاعتنا أو بتاعت اي حد من زمايلي أحسن له وهتسد الغرض ..
عدت أيام على نفس الحال، بنختار حد من المجموعة نروح له ناخد الدرس في بيته ، مرة عند أي طالب من المجموعة ومرة في شقتنا اللي شبه علبة السردين ومابتبقاش مكفية زمايلي .. لحد ماجت لبابا فترة وبدأ يفكر إنه يشتري شقة تانية كبيرة نعيش فيها وياخد جزء منها يعمله للدروس،طبعاً بابا كان بيدور على مكان يبقى قريب للطلبة كلهم عشان يحل الأزمة، وفي يوم وهو قاعد يفكر في مكان قريب من الكل..جه في باله بيت صحبتي علا، هي الوحيدة اللي تعتبر قريبة مننا كلنا أو بيتها الأقرب للكل بمعنى أصح، كانوا لسة شاريين شقتهم جديد، والمكان فيها واسع وكبير..بابا حاول كذا مرة انه يدي الحصة هناك في بيتهم الجديد بما انه اقرب مكان للطلبة كلهم .. بس باباها كان على طول رافض فكرة دخول المدرس بالمجموعة البيت، عمو محمد من الأشخاص اللي مابيحبوش حد يجرح خصوصية بيته حتى لو عشان مصلحة بنته..
لما بابا كان يحاول يقنعه، رده بيكون رد واحد مابيتغيرش، آسف.. البيت فيه حريم.. وبالرغم من رد عمو محمد على بابا بالرفض، إلا ان باله فضل مشغول بينا لفترة وكان بيفكر ازاي يساعد بابا .. وقتها عمو محمد بدأ يشوف لنا مكان للدرس، وافتكر ان فيه شقة فاضية في العمارة بتاعتهم بقالها فترة وقرر انه يكلم بابا عليها، وفي يوم كان قاعد بيدردش هو وطنط ثريا مامت علا ولما جه ياخد رأيها دة كان ردها ..
_والله ياثريا انا بعمل عشان علا اصلا.. دة لولا هو كلمني كذا مرة ورفضت دخوله البيت ماكنتش هشغل بالي..يعني قولت من باب الذوق أكلمه عالشقه اللي في الدور السادس وأهو يشوفها يمكن يلاقيها مناسبة له..
_وماله يامحمد.. كلمه عليها واذا عجبته تبقى مبروك عليهم..
_يعني انتي شايفه كده؟
_ والله انت بتعمل اللي عليك وأهو كله لعلا .. يعني لما تبقى المجموعة تحت على طول مش هنبقى قلقانين عليها.. دة رأيي واعمل اللي انت عاوزة..
_خلاص.. اللي فيه الخير يقدمه ربنا..
_على خيرة الله..
واللي اتفقوا عليه هو اللي اتنفذ.. عم محمد كلم بابا، وفعلا بعد كام يوم كان عندهم في العمارة بيتفرج على الشقة هو وعمو محمد ..وقتها البواب فتحلهم الشقة ودخلهم وسابهم على راحتهم .. هنا بقى بابا وهو بيتفرج انبهر بجمال الشقة ونضافتها وقرر إنها لقطة مش هتتكرر لو سابها.. الشقة عبارة عن أوضتين قريبين من بعض وصالة كبيرة جدا فيها طرقة بتودي للمطبخ والحمام وفي آخر الطرقة دي أوضة لوحدها تحس انها معزولة شوية ، بابا ساعتها فرحته بالشقة بانت في عنيه وفضل يلف في الأوض يتفرج عليهم أوضة أوضة، كل الأوض منورة ودخلاها الشمس ماعدا الأوضة اللي كانت في آخر الطرقة ، ساعة ماشافوها وقفوا يبصوا عليها من بعيد ويتكلموا هو وعمو محمد، بابا سأله بفضول .
-ايه الأوضة اللي لوحدها دي؟!.. هي مقفولة ولا ايه؟
- مقفولة ازاي؟..دي ضلمة بس، تلاقي ازازها مكسور والبواب مضلمها بجرانين، تعالى ندخل نتفرج..
-يلا بينا.. والله الشقة كلها روحها حلوة وتفتح النفس، ماعدا الاوضة دي، هي اللي ضلمة شوية .
-فعلا والله دة شقة جميلة.. يلا تعالى.
دخلوا الأوضة هما الاتنين ورا بعض، وفجأة وهما عالباب، إتقفل في وشهم.. بصوا لبعض باستغراب ،ومرة واحدة سمعوا صوت ضحك طفلة جاي من جوة وجري سريع ودبدبة، كإن فيه طفلة بتلعب في الاوضة .. بابا وعمو محمد وقفوا مكانهم وبعد ثواني عمو محمد قال لبابا..
-الشاكوش والأجنة فوق.. هطلع اجيبهم نفتح بيهم الباب..
رد قاله..
-ماشي بسرعة يا أستاذ محمد..
- حاضر..
في اللحظة دي عمو محمد طلع يجيب الحاجة اللي قال عليها وبابا وقف لوحده.. وفجأة سمع الصوت اللي جوة بيعلى.. صوت بنت كبيرة بتلعب مع طفلة صغيرة، باباوقف ساكت مكانه مبيتحركش وهو مش عارف الصوت دة جاي من الشارع ولا من جوة الاوضة .. في لحظة وهو واقف مركز مع اللي بيحصل عمو محمد دخل عليه بالشاكوش عشان يفتحوا الباب.. ساعتها بابا اتخض وبص لعمو محمد وهو بيقول..
_ فيه حد جوة يامحمد..
_ياسيدي حد مين انت بتقول ايه بس؟.. الشقة دي بقالها عمر مقفولة.
-يمكن عشان كدة.. من قفلتها عالفاضي، عمومًا انا هجيب الراديوا معايا وقت ماهاجي عشان نفتحه عالقرآن.. أهو يعمل أمان في الشقة.
- بس كدة.. هاته معاك المرة الجاية وشغل صورة البقرة وان شاء الله الشقة زي الفل ومفيهاش حاجة.
-اتفقنا.. المهم انا فاضلي حاجة مهمة هعملها وان شاء الله أمضي بعدها العقود.
- على خير يامستر علي، هتفرجها للمدام؟
- اه لازم اجيبها تتفرج عليها الأول، ولو عجبتها هشتري..
عمو محمد رد عليه بفرحه..
-اكيد ان شاء الله هتعجبها وادينا هنبقى جيران .
-خلاص أتفقنا.. على خيرة الله..
في الوقت دة دخل عليهم البواب وقعدوا يتكلموا شوية مع بعض وبابا سأله..
- هو الأوضة الضلمة دي مقفولة ومضلمة ليه؟.. ايه اللي كسر إزازها..
رد البواب بتهتهه وقاله..
-مش مقفولة ولا حاجة، دة العيال القرود ولاد الكلب من برة الشارع هما اللي كسروا الإزاز ، مفيش مشكلة هنصلحه.
-على خيرة الله.. انا فاضلي أجيب المدام واجي افرجها على الشقة ولو اخدنا منها التمام تبقى خلاص بتاعتنا..
_زي الفل، واحنا مستنيينك..
مشيوا على اتفاقهم انهم هيجيبوا ماما تشوف المكان وتاني يوم الصبح راحت شافتها وعجبتها وبعد أيام بابا اشترى الشقة، انا كنت فرحانة بيها جدا.. المكان كان كبير قوي وواسع مش زي شقتنا التانية.. اللي مفرحني بيها اكتر ان علا معايا في نفس العمارة يعني هنبقى مع بعض على طول.. المهم اننا بعد أيام كنا انا وبابا هناك، كان رايح يقابل بتاع الإزاز عشان يجيبه يركب الشباك المكسور وبالمرة طلب مني اخد الراديو معايا وأشغله على القرآن، وزي ماطلب مني عملت،وقتها حطيته في المطبخ وشغلته وعليته، في الوقت دة الصنايعي اللي هيركب الإزاز جه وبدأ يشتغل، وشوية.. لقينا واحد واقف في الشارع من تحت عمال يزعق ويتخانق من غير سبب، في الأول بابا وبتاع الازاز مكانوش عارفين هو بيزعق لمين، كانوا مفكرينه واحد بيتخانق في الشارع.. بس لما ركزوا معاه لقوه بيوجه الكلام ليهم هما، كان عمال يقولهم بعلو صوته..
-انتوا ياعالم ياللي فوق؟.. وجعتولنا دماغنا من صوت الخبط والترزيع، ارحمونا فيه ايه.
بابا بص له واتغاظ وراح رادد عليه بنرفزة..
-انت بتزعق لمين ياعم انت؟
-ليك انت ياسيدي.. فيه ايه صدعت دماغنا!
- انت راجل غريب قوي.. يعني بلاش اركب الأزاز ولا ايه يعني؟
-انا مش عارف ايه البلاوي دي والله.
بابا لسة جاي يرد عليه البواب طلع بسرعة سكت الراجل اللي شكله شر دة وراح قايل له..
-فيه إيه ياغرباوي؟.. مالك هي الناس كلمتك؟
الراجل فضل يشوح بإديه للبواب وقاله بزعيق..
-هو انت عاوزهم يتكلموا كمان ؟.. مش كفاية الباب اللي هيفتحوه علينا تاني؟
البواب زقه بغضب وقاله.
_هشش، ماتسكت بقى ياجدع هو انت مبتعرفش تبطل هري؟
بابا استغرب من اللي بيحصل وبص للبواب وهو بيقوله.
-هو فيه ايه ماله الأخ ده؟
عم حافظ البواب بص للراجل المفتري ده وزقه وقاله..
-اتكتم هاه!
بعدها بص لبابا وقال له..
-طالعلك انا يامستر علي ..
في ثواني كان مع بابا في الشقة وقعدوا يتكلموا مع بعض..
-معلش ياأستاذ علي، أنا بس عاوز أفهمك الراجل دة يبقى ايه وبيعمل كدة ليه.. ده راجل غلبان في عقله، مجنون يعني ومحدش بيدق على عمايله.
-طب ياسيدي مجنون يقعدوه في مستشفى المجانين مش يتساب يطلق جنانه عالناس!
-ياأستاذ على انت ماتعرفش حاجة.. الراجل ده أصلا كان مجرم زمان وربنا تاب عليه من سنين واحنا بنعامله على انه مريض .. عقبال ماربنا يتوب علينا منه يارب.
-يارب ياسيدي، ربنا يبعدنا عنه.
-آمين يارب.. انا هستأذنك عشان سايب البوابة معليهاش حد..
-اتفضل.
في اللحظات دي انا كنت جوة في المطبخ مشغلة الراديو عالقرآن، بس الراديو كأنه حالف مايشتغل، مع أني موصلاه في الكهربا وباين قدامي انه شغال وكل الإذاعات كانت شغالة، بس يجي عند اذاعة القرآن ومش راضي يشتغل..وقفت شوية بحاول أشغله.. مرة واحدة المؤشر لف لوحده ودخل أصوات الإذاعات كلها في بعضها والصوت علي عالآخر وبقى صريخ .. بصيت للراديو مستغربة من اللي بيحصل وانا مالمستهوش، الصوت عمال يعلى ووصل لحد وداني مابقيتش مستحملة.. ساعتها صرخت، صرخت بعلو صوتي على بابا..
_يابابا، يابابا الحقني..
انا عارفه انه مش هيسمعني، صوت الراديو أعلى من صوتي.. في اللحظة دي جريت بسرعة عشان أخرج برة المطبخ وفجأة.. الباب راح مرزوع بقوة وبقيت لوحدي جوة..الدنيا حواليا ضلمة مش شايفة حاجة.. مرة واحدة نور قدامي لمبتين صغيرين، الضوء أو اللمبتين بيتحركوا ناحيتي وصوت نفس بيقرب مني،وللحظات..حسيت بحد بياخدني في حضنه وبدأ يضغط عليا جامد وكإني بتعصر..من كتر الألم بصرخ وبنادي على بابا، كل ما انادي عليه اتأيد اكتر وأحس بروحي هطلع وصوتي يوطى ولساني يتكتف.. وأخيرا زي مايكون سمعني، حسيت بأكرة الباب بتتحرك كإن حد بيحاول يفتحها من برة وفي لحظة التكتيفة اللي كنت متكتفهاها اتفكت ووقعت في الأرض غبت عن الوعي..
بعد شوية، فقت وكأني في غيبوبة، عنيا لسة مشوشة وفيه ضباب عليها، ورا الضباب بنت شكلها جميل قوي ماسكة في إيدها طفلة صغيرة أحلى منها، ساعة ماشافوني فتحت بصوا لبعض هم الأتنين وابتسموا، غمضت عيني للحظات وفتحت تاني مالقيتش حد واقف قدامي غير بابا، ساعتها بصيت له وقولتله..
_بابا.. ايه اللي حصل؟
قالي..
_ انتي اللي ايه اللي حصل؟.. ايه اللي جرالك في المطبخ؟
_معرفش يابابا.. الراديو باظ لوحده وفجأة الباب اتقفل، معرفش فيه ايه .
_فداكي ياحبيبتي.. مش مشكلة هجيب راديو غيره المرة الجاية..
تفكيري كله في اللي حصل من شوية وعاوزة أقول لبابا الإحساس اللي حسيته جوة ، بس سكتت، سكتت لإني مش عاوزة أشغل بابا باللي شوفته، مش لازم أشتت تفكيره وأخليه يقلق من الشقة بعد مااشتراها وفرحان بيها كمان..
بعد ماعدت أيام على اللي حصل.. كنا خلاص نقلنا عفشنا في الشقة الجديدة واستقرينا هناك، بالرغم ان البيت جميل وكبير.. إلا ان فيه حجات بتحصل لنا مش منطقية، بعد مانقلنا كان طبيعي ان بابا يبدأ الدروس والمجموعات بتاعته، اللي هو أصلا عزل من المكان التاني عشانها.. بابا أخد الأوضة المعزولة عن الشقة وعملها للدروس وقرر يبدأ شغله، من هنا بدأت المواقف الغريبة تزيد عن الأول.. وقتها، كان ميعاد الحصة.. وأنا وعلا صحبتي كنا موجودين في الأوضة وكنا قاعدين بندردش شوية وبنهزر كالعادة وبعدين هزارنا قلب بضحك جامد وأصواتنا عليت،فجأة أنا وهي سمعنا صوت حد بيضحك جنبنا، بصينا ناحية الصوت اللي كان كإنه حد قاعد على الكرسي اللي مقابلنا على طول، ساعتها علا بصتلي برعب وقالت..
_انتي سمعتي معايا مش انا لوحدي صح؟
هزيت دماغي وبلعت ريقي وقولتلها بصوت مخنوق..
_انا هروح أنادي بابا..
قومت من مكاني بسرعة وانا مرعوبة وعلا اتنفضت قامت ورايا ، طلعنا نجري ورا بعض احنا الإتنين بندور على حد نقول له يشوف الاوضة فيها ايه ومالقيناش غير ماما هي اللي في المطبخ.. جريت عليها وبسرعة بقيت في المطبخ وقولتلها..
_ماما ماما، الحقي..
ردت عليا.
_إيه ياحبيبتي في ايه؟
_فيه حد في أوضة الدروس، تعالي الحقي.
_حد مين بس اللي مخوفك كدة ياحور ، متخافيش من حاجة طالما أنا موجودة في البيت دة.
كانت بتتكلم بكل برود.. حتى مالفيتش وأديتني وشها، ردها البارد خلاني استغربت تصرفها، قربت منها بسرعة وقولتلها بأندفاع..
_ياماما تعالي شوفي فيه ايه في الاوضة بسرعة.
ردت عليا رد غريب تاني ، قالتلي..
_تلاقي ملك جوة ياحور..
الكلمة خرمت وداني، لقيت نفسي بقولها..
_ ملك مين؟
في اللحظة دي.. بدأت تلفلي وتديني وشها، انا وهي في المطبخ وعلا برة.. فجأة لقيت علا زي ماتكون اتصدمت من حاجة وتنحت، واقفة بتبصلي من برة ومش بتنطق .. ماما واقفة في المطبخ وبتتلفت عشان تكلمني، في نفس الثانية فيه ماما تانية برة بتكلم علا وبتقولها..
_فيه ايه ياعلا؟.. انتي واقفة متخشبة كدة ليه؟
علا كل اللي عملته.. رفعت صوابعها لفوق وهي بتشاور عليا لماما وانا كمان وقفت مستغربة وعاقدة حواجبي، لسة بكلم اللي معايا في المطبخ وبقول..
_هو ايه اللي بيحصل ازاي انتي هنا وبرة ؟
لقيت باب المطبخ اترزع بكل قوة ونفس اللي حصل ليا من فترة بيحصل تاني.. النور ضعف مرة واحدة ومبقاش كاشف المطبخ وفجأة لقيت بنت ما أعرفهاش بس في الشكل شبه ماما بالظبط، كإنها متجسدة في أمي واقفة معايا في المطبخ ، البنت بدأت تبتسم ابتسامة تخوف وبصت لي وفضلت تقرب عليا، ابتسامتها فضلت تملى وشها وعنيها توسع لحد ما بقى شكلها مرعب ومرة واحدة لمست إيدي وضغطت عليها جامد ، في لحظة جسمي كله اتشل ومقدرتش اتحرك وفجأة.. الباب اتفتح وماما وعلا دخلوا عليا ووقعت في حضن ماما..
بعد لحظات.. فوقت لقيتني في أوضتي وماما جنبي هي وعلا، واقفين بيبصولي وشكلهم زعلانين، ساعتها ماما بصتلي وقالتلي..
_حبيبتي يارهف.. مالك بس طمنيني، كل شوية يحصل لك التعب ده!
بصيت لها بالراحة وابتديت أتكلم.
_هو إيه اللي بيحصل لي؟.. انا مش عارفة فيه ايه ياماما..
علا ردت عليا بعيون مليانة خوف وسألتني..
_انتي اللي تقولي ايه اللي حصل لك ساعة ما الباب اتقفل ، أنا شوفت حد شبه طنط بعنيا وراكي وفجأة لقيتها قدامي برة.. فهميني دة حصل ازاي.
ماما بصت لها ساعتها وبرقت وقالت لها.
_ماتبس ياعلا بلاش تخريف مفيش حاجة من اللي بتقوليه دة.
رديت عليها بلهفة..
_بس علا بتتكلم بجد ياماما.. انا مش،
ماما قاطعتني..
_يارهف ياحبيبتي الشقة زي الفل ومفيهاش الهوا من التهيؤات اللي بتشوفيها، انتي بس إرتاحي وماتفكريش في حاجة ممكن؟.. انا هقوم اجهزلك العشا عشان تتعشي انتي وعلا..
علا قامت من مكانها بسرعة وهي بتقول لماما..
_لا ياطنط انا هطلع الوقت اتأخر، ماما هتزعقلي.
_خليكي ياعلا اتعشي وابقي اطلعي ياحبيبتي..
في اللحظة دي حسيت اني نفسي علا تبات معايا، مسكتها من ايدها وقولتلها..
_خليكي جدعة ياعلا وباتي معايا زي كل الاصحاب مابيعملوا مع بعض.
_ماانتي عارفة اللي فيها يا رهف.. ماما مش هترضى..
ماما قالت لها..
_انا هقولها ياعلا وهي مش هتقول حاجة، خليكي مع رهف النهاردة طالما عوزاكي عشان خاطري.
علا بصت لماما وقالت لها.
_خلاص سيبيني أطلع استأذن وانزل تاني.
_تمام يالولو، مش هنتعشى من غيرك..
إبتسمت..
_حاضر ياطنط..
علا طلعت تجري عشان تبلغ مامتها، كنت حاسه بيها جدا، كانت نفسها تبات معايا من زمان بس في نفس الوقت خايفة من رفض مامتها، لكن اللي حصل انها نزلت بعد شوية وكانت في منتهى الفرحة وقالت ان مامتها وافقت تبات معانا، وفعلا بيتنا مع بعض.. بس الليلة دي، كانت من أغرب الليالي اللي عشتها في حياتي كلها.. واللي حصل وقتها ان ماما جهزت العشا وجابتهولنا واتعشينا وخلصنا وقعدنا سهرانين نتكلم ونرغي لحد ما ماما دخلت علينا قعدت معانا شوية هي كمان، ولما ميعاد نومها جه.. قامت وهي بتقول لنا..
_يلا يابنات، الساعة داخلة على واحدة..ميعاد النوم، مفيش سهر بعد كده..
قولتلها..
_ماتسيبينا ياماما نسهر شوية، احنا مش بنسهر مع بعض كل يوم..
طبعا ماما معجبهاش كلامي، فهمتها من بصتها لما قالتلي..
_دة وقت النوم يارهف، نامي وابقي قومي بدري انتي وهي اعملوا اللي انتوا عاوزينه.
_حاضر ياماما..
ضحكتلي ووقفت تبصلي شوية وقالتلي وهي بتطفي النور.
_تصبحوا على خير ياأحلى بنات في الدنيا..
قالتها وفضلت واقفة على باب الأوضة تبصلي بإبتسامة غريبة، وقفلت النور وطلعت ، في اللحظة دي وكإنها منعت عني ضوء الشمس.. باب الأوضة إتقفل، وحسيت بقبضة غريبة مسكتني، علا ساعتها كانت مفكراني هسهر معاها بس ماقدرتش، المهم اننا نمنا، ومع دقة الساعة اتنين ونص واحنا في عز نومنا أنا وهي قومنا على صرخة واحدة، وكإن انا وهي بنحلم حلم واحد.. بصينا لبعض وانا دموعي نازلة مني وهي مخضوضة وقالتلي..
_قومي بسرعة نطمن على طنط.
بصيتلها وانا بمسح دموعي بإيدي..
_قومي..
جريت بسرعة انا وهي على أوضة ماما ووقفنا نخبط على الباب وندهت على ماما وانا واقفة برة..
_ماما.. ياماما انتي نايمة!
ردت عليا من جوة بصوت مش واضح.
_فيه ايه.. روحي نامي..
علا راحت شداني من إيدي وقالتلي..
_يلا يارهف.. هي كويسة يلا ننام..
قولتلها وانا بعيط..
_انا خايفة ياعلا.. انا شوفت حلم مش حلو خالص.
ردت عليا رد رعبني أكتر.
_ انا كمان حلمت حلم مش كويس.. بس يظهر اننا من حبنا في طنط متعلقين بيها زيادة، الحمد لله انها بخير.. يلا ننام بقى.
_يلا ياحبيبتي، انتي ذنبك ايه تقلقي وتفضلي سهرانة معايا؟
المهم انها خدتني ودخلنا نمنا.. والصبح، قومت من النوم كالعادة بدور على ماما حبيبتي عشان نفطر مع بعض، وقتها علا كانت معايا بتغسل وشها وبتستعد تطلع على بيتهم بس أنا قولتلها تستنى معايا يعني نفطر وتطلع،المهم اني روحت على أوضة ماما خبطت عليها واستنيتها تفتح.. مافتحتش، خبطت جامد عالباب وساعتها مسكتني حالة خوف.. ناديت عليهم جوة عشان يفتحوا.
_ماما.. ياماما انتي جوة ولا فين؟
بابا رد عليا..
_فيه إيه يارهف؟.. ماما مش هنا ياحبيبتي.
_مش هنا إزاي يعني؟
ساعتها قام فتح لي الباب وكمل كلامه..
_مش عارف ومكانها بارد كمان، يعني قايمة من بدري، شوفيها كدة فين!
_حاضر، هشوفها.
علا كانت خلصت غسيل وشها وجت ورايا..
_طنط صحيت ولا لسة؟
بصيتلها..
_ماما مش في أوضتها.
بصتلي ونظراتها كلها خوف..
_دوري عليها وانا هشوفها فين معاكي.
سابتني وفضلنا نلف في كل مكان بس مالقيناش ماما، كأنها فص ملح وداب.. كلنا في حالة ذهول، ممكن تكون راحت فين، دي مابتتحركش من غير اذن من بابا ؟.. بابا رن عليها كتير تلفيونها اصلا في البيت، في اللحظة دي جه في بالي أوضة الدرس.. لقيت نفسي بفكر في الحلم اللي حلمته، في ثانية طلعت أجري على الأوضة، بابا وعلا بصوا لي وطلعوا يجروا ورايا هم كمان، واللي شوفته أكد لي اللي في دماغي..بعد مافتحنا باب الأوضة، لقينا الشباك مفتوح على آخره، طلعت أجري على الشباك وبابا مش فاهم انا بعمل ايه
، ساعتها سألني..
_بتعملي إيه يارهف وماما ايه اللي هيجيبها هنا؟
في لحظة بصيت من الشباك ورجعت لورا، جسمي كله بيترعش ، وقعت في مكاني.. بابا بص لي.
_فيه إيه يابنتي؟
ماتكلمتش.. ساعتها علا عرفت ان الحلم اللي حلمناه اتحقق، صرخت بعلو صوتها، مش معقول.. لااا..
بابا بص من الشباك، لقاها واقعة تحت، ماما وقعت من الدور السادس.. ماما ماتت، وأنا انتهيت..
لحظات والشرطة جت والناس بدأت تتلم، بعد ما كشفوا على الجثة حددوا زمن الوفاة الساعة تلاتة ونص الفجر، جثتها مفيش عليها أي آثار محاولات قتل مثلا، وإتكتب سبب الوفاة انتحار.. طبعا لا أنا ولا بابا ولا أي حد ممكن يصدق ان أمي أنا ممكن تنتحر، خصوصًا ان ماما كانت ست تعرف ربنا وكانت بتصلي وكل حاجة حلوة في حياتنا تبقى هي.. أو كانت هي، مش هوصف لكوا طبعا إحساسنا وصل لإيه بعد موتها.. ضياع وتوهة كبيرة .. انا وبابا وأختي الصغيرة كنا بنتمنى نموت وراها.. ماما سابتني وأنا في الثانوية العامة،سابت في رقبتي طفلة ٨سنين..في رقبتي بابا اللي مكنش بيستغنى عنها أصلا.. دي كانت كل حياته..
عدت أيام واحنا مش فاهمين حاجة من اللي حصل، وبعد موت ماما حجات كتيرة قوي اتغيرت.. من أبسط الحجات دي اننا كنا بنسمع صوتها دايمًا في المطبخ، ولما حد فينا يسمعها ويجري على جوة عشان يشوف اللي بيحصل.. صوتها كان بيختفي، حتى حاجتها اللي في دولابها إبتدت تظهر فجأة في كل أوض البيت من غير ماحد يستعملها، وفجأة ترجع تختفي تاني..ماانكرش إن انا وبابا كنا مبسوطين للي بيحصل يعني بسبب إحساسنا انها موجودة معانا في البيت.. بس الموضوع بعد كدة اتحول من إحساسنا بوجودها لشعور غريب ومقبض، فيه أشخاص كتير معانا في البيت مانعرفش هم مين..فضلنا كل حياتنا متلخبطة، ولسة مالحقناش نفوق من موت ماما، عشان تحصل الكارثة التانية.. لما أختي الصغيرة كانت قاعدة بتلعب قدامي وأنا بذاكر ،الوقت اتأخر ودخل على الساعة ١٢.. وقتها قولت اما أقوم أنام ولميت حاجتي ولسة هقولها يلا عشان ننام، سمعتها بتتكلم مع حد، لما ركزت معاها لقيتها سكتت ومرة واحدة طلعت تجري عالحمام.. ندهت عليها بسرعة.
قولتلها..
_أريچ.. انتي يابنتي بتعملي إيه؟
بصت لي وكملت جريها وقالتلي.
_مش وقتك يارهف، خليني الحق أجيب الحاجة قبل ماتمشي انا عاوزة الحقها.
ملامح وشي إتقلبت لعلامة تعجب، سألتها بأستفسار.
_هي مين دي!
بصتلي وكأني قلت جملة غريبة.
_ ماما يارهف.
_مالها ماما؟
بصت ناحية الركن اللي كانت قاعدة بتلعب فيه وقالتلي..
_ماما قاعدة هناك هي وحور بتحميها وقالتلي هاتي حاجتك بسرعة أحميكي قبل النور مايقطع..
جسمي كله قشعر.. ندهتلها.
_أريچ؟.. استني يابابا، ماما مين اللي هتحميكي!.. هي فين ماما أصلا؟
اريچ ردت بغضب..
_ماما قاعدة معايا على طول هي وحور وملك اختها.
_أريچ، مين الناس اللي بتقولي عليهم دول؟.. ماما ماتت.
فجأة.. النور قطع و سمعت صوت دبدبة، وبعد دقايق حاجة اتهبدت تحت، ولقيت نفسي واقفة في الصالة لوحدي.. وقفت أصرخ بعلو صوتي..
_بابا، انت فين؟
لحظة.. سمعت صوت ماما في البيت بتكلمني، قالتلي جملة مش هنساها..
_وحشتيني يارهف، لو فضلتي هنا هتجيلي قريب انتي وبابا.
صوتها رعبني، فضلت أصرخ على آخري.
_يابابا، يا أريچ.. انتو فين؟
في اللحظة دي بابا سمعني، أخيرًا رد عليا ولقيته بينده ..
_رهف، انتوا فين؟
رديت عليه بصوتي مخنوق بالعياط..
_انا في الصالة يابابا.. أريچ راحت فين أنا مش سامعة صوتها!
_هي مش كانت معاكي من شوية؟.. أختك فين؟
لقيت نفسي بدون شعور بجري ناحية الأوضة المشؤومة والعياط بصريخ مسكني وكل اللي طالع عليا قعدت اقول..
_أريچ لأ.. والنبي دي هي اللي مسلياني بعد ماما.
وصلت للشباك وبصيت فيه على أمل ان اللي في دماغي يطلع غلط.. بس للأسف طلع صح.. أريچ رمت نفسها من الشباك، الناس اتلمت من كل مكان وانا وبابا واقفين فوق مذهولين ومش مصدقين.. كنت ساكتة تماما ودموعي هي اللي بتتكلم، لكن بابا راح له حال وجاله حال تاني، بابا وقف يصرخ ويلطم بعلو صوته ويقولي..
_أمك وأختك في شهر واحد.. ليه ياربي وانا عملت اييه..
ساعات تقيلة بنعيشها وكأنه سيناريو بيتكرر.. اختي اتدفنت ورا ماما.. الفراق وجعه من أصعب الأوجاع..
نفس الحالة اللي مسكتنا بعد موت ماما واسوأ منها كمان سيطرت علينا ، بابا دخل في حالة إكتئاب.. وانا بقيت عايشة في سكوت دايمًا، بدخل أعمل الأكل وأطلعه احطه قدام بابا يرفض ياكله، اشيله زي ماهو أرميه وماكولش أنا كمان، الانسانة الوحيدة اللي كانت جنبي بتهون عليا اللحظات دي هي علا، علا ومامتها هم الاتنين كانوا بيحاولو يكونوا معايا دايما وخايفين عليا لما بكون لوحدي .. أما بقى بابا.. فبقت حياته عبارة عن انه يروح المدرسة اللي شغال فيها ويجي يقفل على نفسه الاوضة ومايطلعش لحد تاني يوم الصبح أو لو كان عاوز يعمل حاجة مهمة، حتى المجموعات والدروس اللي أخد الشقة عشانها وقفها، وفضل على طول لوحده..
كنت كل يوم أخبط عليه عشان يفتحلي، أفضل واقفة عالباب ، بس رده واحد..
_روحي يارهف كلي.. أنا مش جعان..
أرجع على أوضتي أعيط والحزن ياكل في عنيا وأنام وانا حزينة، بابا فضل على حالته حوالي شهر، لحد ما في يوم خبطت عليه كالعادة عشان ياكل، كنت فكراه مش هيفتح الباب بس خلف ظني وقالي..
_خشي يارهف.. أنا عاوز اتكلم معاكي شوية..
مكنتش مصدقة، دخلت بسرعة اترميت في حضنه وقولتله..
_أخيرًا يابابا؟.. وحشتني قوي، ليه كل البعد دة يابابا لييه؟
ضمني جامد وقالي..
_حقك عليا يارهف.. انا قصرت في حقك انا عارف، بس انتي لازم تعرفي تعيشي لوحدك، أنا عاوزك لو حصل لي حاجة ماتفضليش هنا، عاوزك تاخدي بعضك وتروحي على شقتنا القديمة..
قاطعته بغضب..
_انت بتقول ايه؟.. هو انت فاتحلي عشان تقولي كدة؟.. انت كدة يعني بتطمنني؟
قاطعني هو وقالي..
_يابنتي اسمعيني، الشقة دي مش طبيعية، أنا معرفش حكايتها إيه.. بس فيه حاجة غريبة هنا.. من أول مانقلنا وانا حاسس بحاجة مش مريحة، ماما هي كمان قالتلي نفس الكلام بس انا كدبتها وقولتلها انها بتتدلع عشان ترجع جنب أهلها، انا مفكرتش غير في نفسي وفي الفلوس اللي دفعتها في الشقة ، واديني بخسر كل حاجة..
قولتله..
_يابابا انت بتقول ايه بس.. طب مانرجع شقتنا التانية، رجعنا الشقة اللي هناك..
_أنا فعلا مقرر اعمل كده، بس هبيع دي إزاي؟. انا عاوز الفلوس اللي دفعتها فيها عالأقل.. كفاية اللي خسرتهم
_بس فلوس الدنيا كلها مش هترجعهم يابابا.
اتفتحنا في العياط واخدني في حضنه وهو بيتأسف..
_انا آسف يارهف.. آسف يابنتي اني جبتكو المكان الملعون دة، لو مالحقتش أنقل للشقة التانية وحصلي حاجة ماتفضليش هنا، امشي يارهف..
_ماتسبنيش عشان خاطري.. ماتقولش كلام يخوف، هنمشي من هنا انا وانت، لازم نمشي من هنا.
وفعلا.. عدى أسبوع واحد علينا، كل الظواهر الغامضة والخارقة اللي ممكن تحصل في مكان.. حصلت في الشقة الغريبة دي وتحديدا في الاوضة الملعونة، اوضة الدرس.. المهم ان بابا مع كتر الأحداث اللي بتحصل بدأ يفوق ويخاف عليا وعلى نفسه وقرر يجيب سمسار من برة يفصلها ويشتريها، ولما عرض الأمر على عمو محمد،قال له يرجع يكلم البواب تاني بما انه هو اللي فرجهم الشقة وهو اللي وصلنا لحد من اصحابها .. بابا سمع الكلام من عمو محمد وبدأ ينفذه،ولما راح يكلم البواب.. دة اللي حصل.
_وتجيب حد تاني يفصلها وانا موجود ليه يابيه، ماانا هنا اهو.
_ماشي ياعم حافظ انا ماقولتش حاجة بس هنجيب سمسار يفصل تمنها وانت موجود عادي يعني..
بص لبابا بصه غريبة وقال له.
_اللي تشوفه ياأستاذ علي..
_خلاص.. ظبطلي الدنيا وأنا هجهز العقود عشان لما االسمسار يجيب بيعة مناسبة نبيع.
هز دماغه وقال له..
_على خيرة الله.
حافظ ساب بابا ومشي على اساس هيشوف له سمسار ، وبعد أيام بابا فضل يدور عليه، بس كان فص ملح وداب، حافظ اختفى للأبد من غير مانعرف السبب..بابا كان مستغرب ومش فاهم هو اختفى ليه ولا راح فين،بعد ايام بدأ يسأل عليه بس محدش كان عارف مكانه، لحد ماوصل لسمسار في المنطقة، قال يسأله عليه وبالمرة يقول له يشوف له بيعه للشقة.. ساعتها وقفوا يدردشوا مع بعض، وبابا عرف اللي مكنلهوش على بال ..
_ حافظ؟.. حافظ مين بتاع عمارة الدور السادس؟
_ايه عمارة الدور السادس دي؟
_دي عمارة فيها شقة في الدور السادس مسكونة بعيد عنك..
_مسكونة؟
_إيوة ياسيدي اللهم أحفظنا..
_طب ماتحكيلي حكايتها ايه الشقة دي يابلدينا؟
_دي حكايتها طويلة.. الشقة دي من سنين كان فيها عيلة من العراق، كانوا ناس مبسوطين قوي، ٣انفار.. ست كبيرة وبناتها الاتنين، الكبيرة ملك والصغيرة حور.. اول مااشتروا الشقة واستقروا، الست الكبيرة اتوفت وسابت البنتين لوحدهم، البنت الصغيرة مااستحملتش اللي حصل لأمها، جتلها حالة غريبة، من القعدة لوحدها بقت لاتتكلم ولا تاكل ولا تشرب، أختها الكبيرة داخت بيها عالدكاترة، كلهم شخصوا اللي عندها على انه بدايات توحد، وقالولها لازم تطلع من الحالة دي بأي شكل وإلا حالة التوحد هتزيد، الست ملك فكرت ازاي تطلع اختها الست حور من الحالة دي، وتفكيرها جابها انها كل اسبوع تعملها حفلة وتلم صحابها، وكأنها حفلة عيد ميلاد يعني، وفعلا الطريقة دي جابت نتيجة مع حور.. بعد فترة فاقت وبقت حلوة.. لكن ربك قدره كن فيكون..
_ليه؟.. ايه اللي حصل بعد كده؟
السمسار بص له بحزن وقال له..
_كله من الغرباوي البلطجي ابن المؤذية..
_الغرباوي؟.. الغرباوي مين؟
_دة واحد بلطجي ساكن قصاد العمارة اللي فيها الشقة دي.
_ودة ماله دة كمان؟
_دة هو سبب البلاوي كلها، من ليلة فرح أخوه وهو والمقاطيع بتوعه اللي خربوا الدنيا ووقفوا حال الشقة..
_ايه اللي حصل؟.. احكيلي.
_كان ليلة فرح اخوه.. أفراح عيلتهم كلها سلاح وخرطوش ودوشة ولو راجل تقولهم بلاش طلق حي ولا خرطوش في الشارع، يطلعوا يتخانقوا معاك علي طول.. المهم انه في نفس الليلة الست ملك كانت عاملة الحفلة للست حور كالعادة وعازمة اصحابها، البنت كانت بدأت تخف خالص وتبقى زي الفل، ليلتها.. الحفلة كانت شغالة والفرح كمان في نفس الوقت، البنت طفت الشمع، وسمعت برة الدوشة والطبل البلدي والمزامير وقفت تتفرج هي وواحدة صاحبتها.. في نفس اللحظة، غرباوي بيضرب نار وخرطوش في الهوا، الطلقة لبست في صدر حور موتتها والبنت اللي كانت واقفة جنبها اتبهدلت خرطوش، الست ملك ساعتها كانت واقفة مشغولة مع زمايل اختها ومش في بالها ان اللي حصل دة ممكن يحصل.. ده حتى ما فاقتش غير على البنات بتصرخ.. ملك سابت اللي في أيدها وبتبص ناحية الشباك، مالقيتش اختها واقفة ولمحت صاحبتها واقعة في الارض سايحة في دمها..
في لحظة الحفلة قلبت صريخ.. والفرح الناس اللي تحت بيصوتوا، ست ملك جريت تبص من الشباك.. لقت حور أختها واقعة تحت ومابتتحركش، البت شافت اختها إتجنت ونزلت تجري على تحت، لقت اختها غرقانة دم،عرفت انها ماتت ..
طبعا بعد محاضر وتحقيقات ومشاكل كتير بين ملك والعيلة البلطجية دي الغرباوي اتقبض عليه وماخدش حكم جامد وطلع على طول..لما طلع على طول ملك مااستحملتش الصدمة، فضلت عايشة في الشقة لوحدها وكل اللي شافوها قالوا عنها انها كانت بتكلم روحها، وبعد أسبوع رمت نفسها من الشباك هي كمان.. الشقة بعدها اتقفلت والناس بقت تسمع اصوات غريبة فيها بس محدش فكر يجي ناحيتها، الشقة بقت مسكونة.. من ساعة الحادثة دي وغرباوي خسر كل حاجة، عياله منهم اتنين ماتوا، وفلوسه كلها خسرها، حتى مراته سابته وطفشت، بقى منحوس ومكروه اكتر ماكان، والشقة من ساعتها ولا حد سكنها ولا حد بيعتب ناحيتها زي ماقولتلك .. انا حتى سمعت ان حافظ شيلها لناس غلابة اشتروها وهم مايعرفوش حكايتها، مااعرفش بيجيله ايه والله من أذية الناس.
_هو ماله حافظ يعني ماهو اكيد جاب حد من ملاك الشقة يمضيله عقد البيع والشرا..
_ملاك مين يابيه، الست ملك الله يرحمها كانت آخر واحدة تملك الشقة..
_يعني ايه؟.. اومال حافظ بيتعامل ازاي وجاب العقود منين؟
_حافظ حط ايده عالعقود لما عرف ان مفيش حد هيجي يدور وراه، والشقة أصلا واخدة سمعه مش حلوة، بس الناس كانت بتحاول تشيل السمعة دي عنها عشان متشبهش العمارة كلها.
_طب وفلوس البيع مين اللي خدها؟
_هو حافظ، انا متأكد.
_يعني إيه؟.. يعني حافظ باع لي الهوا؟
_هو انت اللي اشتريت؟.. لاحول ولاقوة الابالله.. الله يعوض عليك..
***
السمسار ساب بابا ومشي، ورجع عالبيت مهزوم ومهدود وشايل حمل سنين، وفجأة وقع قدامي من طوله..
٧أيام.. ٧أيام عدوا عليا وانا شايفة الموت بيحوم فوق راس بابا وبطلب من ربنا ينجيهولي، لأن مابقاش فيه حد ليا في الدنيا غيره، وبعد دُعايا الفترة دي كلها.. بابا نجي من جلطة عالقلب، فيين وفين على بال مافاق ورجع تاني زي الأول، اول حاجة بابا عملها لما فاق، انه طلب مني اعمل اللي قال لي عليه، ساعتها كل اللي قاله..
_رهف، مشينا من هنا ياحبيبتي، انا مش عاوز أفقدك ولا تفقديني..
طبطبت عليه وقولت له..
_حاضر يابابا.. الأسبوع دة هنكون معزلين..
رد عليا..
_ياريتني ماجيت هنا.. ياريتني..
قولتله والبسمة على وشي والدموع في عيني..
_الحمد لله، انت لسة موجود..
بعد أسبوع..
كنت لميت كل حاجة جينا بيها ورجعنا تاني على شقتنا القديمة.. وبدأ بابا يحكيلي كحاية الشقة المشؤومة اللي خسرتني أمي وأختي، الاتنين اللي سابوني حياتي بعدهم ناقصة كتير، الشقة فضلت مقفولة عالفاضي،كنت كل ماأشتاق أشوف ماما وأريچ أروح اقضي اليوم هناك .. ودي كانت حكايتنا مع الشقة وأوضة الدرس المشؤومة.. ودي حكاية ناس كتير زي حور وملك بيروحوا في لحظة عشان انسان غير مسؤول بيعمل واجب مع صاحبه في الفرح بالطلق الحي أو الخرطوش ..
تمت..
تعليقات
إرسال تعليق
اترك لنا تعليقًا ينم عن رأيك بالمحتوى