القائمة الرئيسية

الصفحات

روايات مقترحة

رواية ثلاثي الأبعاد بقلم أمل عبد الله الفصل الاول

رواية ثلاثي الأبعاد بقلم أمل عبد الله الفصل الاول


رواية ثلاثي الأبعاد
قد يعجبك ايضا

بقلم امل عبد الله

الفصل الاول 

صدر صوت شجي وعذب للقرآن الكريم من سماعة قوية بأحد الأركان في منزل ضخم من المنازل القديمة في أحدي المناطق الريفية  بضواحي محافظة المنوفية داخل جمهورية مصر العربية وأنتشر بعض الأشخاص  في أرجاء المنزل من رجال ونساء لتقديم العزاء وكان يتقبل العزاء رجل وقور أنتشر الشيب في رأسه ليظهر سنوات عمره الطويلة التي تخطت الستون ببضع سنوات وكان يقف بجواره رجل آخر يقل عنه ببضع سنوات كان الملل يرسم صورته بقوة بوجهه وكأنه يتمني أن ينتهي هذا اليوم بفارغ الصبر ؛وفي الجانب الآخر تجلس النساء و كانت تجلس امرأة لا تكف عن البكاء ومعها امرأة أخري تحاول تهدئتها بينما سألت أحدي النساء من تجاورها قائلة :

من هذه المرأة التي تبكي بشدة ؟ وما علاقتها بالمتوفى ؟

قالت المرأة رداً عليها بهمس :

أنها شقيقة كريمة زوجة  محمد ضرغام المتوفى .

نظرت لها تلك المرأة مجدداً وقالت بدهشة :

.وهل تبكي زوج شقيقتها بهذه القوة ؟

تنهدت المرأة بغضب وقالت لها :

محمد ضرغام توفي هو وزوجته بحادث واحد.

شهقت المرأة التي أتت للعزاء دون معرفة تفاصيله وقالت بحزن :

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم  ماذا عن ابنتهم ؟..فلقد سمعت بأن محمد ضرغام لديه ابنه .

نعم له ابنه بالعشرين من عمرها ؛مسكينة لقد فقدت كلا والديها بيوم واحد غادر .

وبهذه اللحظة توقف صوت المسجل الذي كان يبث آيات الذكر الحكيم وبدأ المعزون في النهوض من مكانهم واحداً تلو الآخر وهم يودعون  أهل البيت قائلين الكلام المعتاد بهذه الظروف :

البقاء لله ؛أكرم الله مثواهم .

وما أن خلت القاعة من الجميع سوي صاحب البيت سعيد ضرغام  وذلك الرجل الآخر الذي يدعي خليل عمران شقيق كريمة زوجة محمد ضرغام التي توفت  و بدا متعجل للرحيل هو الأخر وزوجة سعيد ضرغام وشقيقة كريمة  روحية  فقال خليل بتعجل :

البقاء لله يا سيد سعيد وأتمنى أن يلهمنا الله الصبر علي فراق كريمة شقيقتي .

ثم نظر لشقيقته روحية وقال لها :

هيا يا روحية دعينا نذهب الآن .

ظهر الضيق علي زوجة سعيد ضرغام ونظرت لزوجها وهي تلمزه فقال هو بحسم :

أجلس يا سيد خليل فيجب أن نتحدث في أمر رنا ابنه أخي أولاً .

نظر له خليل بعدم رضا وقال له :

رنا!.. وما الذي تريد التحدث عنه بشأنها ؟

قالت زوجته هذه المرة وهي تلوي شفتيها بعدم استحسان :

رنا لا يمكنها البقاء هنا بمنزلنا فولدي شاب عازب و ..

نظر لها سعيد بغضب لتصمت فتنفست بعصبية وقال هو لخليل  :

أنت تعرف أن لدي ابن وابنة ..وابنتي متزوجة ولا يصح أن تبقي رنا معنا بالمنزل في وجود شاب عازب هذا لا يصح ؛لكن أنت لديك ثلاث بنات ،وسترتاح رنا والأمر سيكون أفضل بالنسبة إليها و..

قاطعة خليل والحنق يملئه:

وهل هذا يعقل ؟ من الطبيعي أن تبقي البنت مع عمها يا سيد سعيد ؛وأنا أسافر دوماً ،وغير مستقر بالقاهرة لذا لا يمكنني أخذها لتعيش معي أنا وزوجتي .

فقالت روحية بغضب لهم وهي مازالت تبكي بينما تشعر بالرثاء علي ابنة شقيقتها المسكينة :

كفي هل ستنبذون تلك الفتاة المسكينة ؛ أنا سآخذها وأتولى رعايتها .

فقال سعيد مزمجراً بغضب شديد :

مستحيل طبعاً ..لن تعيش ابنة أخي مع رجل غريب .

فهمت روحية طبعاً أنه يتحدث عن زوجها فقالت بغضب :

أن كان كل منكم لا يفكر سوي بنفسه ؛فهل نلقي الفتاة في الشارع؟

فقال خليل هذه المرة بسخرية :

أنا لا أفهم سبب غضبك فكما أعرف أن شقيقك ترك ثروة لا بأس بها ؛هل سترثه وتكون وصي علي مال الفتاة ولا تريد الاعتناء بها ؟ أمرك غريب حقاً .

وهنا نهض سعيد بغضب فقد عرف أن الحديث أنتهي عند هذا الحد فقال بصوت هادر :

عزائكم مقبول يا سادة شرفتم .

شهقت روحية من طريقة سعيد لطردهم وقال خليل بغضب :

أن الحق دوماً ما يكون موجع ..هيا يا روحية .

وخرج من المنزل مع شقيقته بغضب وهي تبكي بنواح شديد فقالت زوجة سعيد بغضب :

أولئك الملاعين كيف لهم ترك الفتاة تعيش بمنزل مع شاب غير متزوج.

قال سعيد بغضب لها :

الفتاة ستبقي هنا وانتهي الأمر لا مزيد من النقاش .

لكنها لم تصمت وقالت له بحنق شديد :

وماذا عن سامح ؟ فالفتاة جميلة وغير محتشمة وأنا لا أريد أن أعرض ولدي للفتنة .     

تنهد بغيظ ثم أخذ يفكر فقالت زوجته مضيفة بحنق :

صحيح أنا أشفق علي الفتاة ؛ لكن أنا أخاف علي ولدي أننا نعيش بمنطقة ريفية  وتلك الفتاة عاشت طيلة عمرها بدبي مع والديها ولن يعجبها البقاء هنا ،و..

كان سعيد يعرف هذا جيداً فابنة شقيقة متحررة أكثر من اللازم وإن كانت ابنته في مكانها ،وترتدي هكذا لكسر لها عنقها حتماً ؛ ويشعر أنه عليه أن يبدأ في تعليمها الأحتشام لكن كيف يحمي ولده ويحميها فهو رجل مسن ولن يفرض علي ولده حظر التجول بالدوار حتى بزوجها بأمان ؛ويجعله يكره المنزل وفجأة لاحت فكرة برأسه فترجمها لكلمات قائلاً لزوجته بتمعن :

الفتاة صغيرة وقد ورثت الكثير من والدها ؛لا يمكنني تركها لأي شخص كي يستولي علي مالها ؛لذا الحل الوحيد الذي أراه مناسباً هو أن نزوجها لسامح  وهكذا نصونه من الفتنة بسبب وجودها  من جهة ويبقي مال أخي داخل العائلة من جهة أخري .

عقدت زوجته حاجبيها بتفكير ،وقالت وهي تصدق علي كلامه :

فكرة لا بأس بها لكن هل تعتقد أن سامح سيوافق ؟ أن له شخصية مستقلة ..أتذكر مجادلتك الكثيرة معه عندما تخرج من الجامعة وطلبت منه أن يهتم بمزرعة المواشي ؟ قد ظل فترة طويلة بحالة رفض حتى أستسلم بعد عناء .

قال لها سعيد برضي :

سامح متمرد أغلب الوقت لكن أنا أعرف كيف أجعله يستمع لي ؛فها قد رأيتِ كيف طور أسلوب العمل بالمزرعة وزاد الأرباح الضعف في فترة قليلة جداً ،والآن يستمتع بعمله.

قالت زوجته بقلق :

لكن هل تعتقد أن الفتاة ستوافق ؟

قال بزمجرة غاضبة :

-   ومنذ متي نهتم لأخذ رأي البنات ؟ ستوافق رغماً عن أنفها وهل ستجد خير من يصونها أكثر من ابن عمها ؟

وفي مكان ما خلف أحد الأبواب كانت رنا تقف مستمعة لكلامهم وهي تود الموت بينما دموعها لا تتوقف عن الهطول من عينيها وكأنها أمطار موسمية لن تتوقف أبداً إلا بعد حين ؛ واتجهت مُلقية جسدها المنهك علي الفراش تاركة الظلام يسيطر علي تفكيرها فلقد كانت مدللة والديها طيلة عمرها فوالدها  كان طبيب هو ،ووالدتها ؛ومنذ أن فتحت عينيها بالدنيا وجدت نفسها تعيش بدبي ..انتمائها لمصر كان علي الورق فقط

 ولم تزور مصر سوي مرتان بحياتها  مرة وهي بالخامسة ؛والأخرى بالعاشرة  وكان دوماً ما يبقون هنا بهذا المنزل الكبير الذي سمعتهم يدعونه بالدوار فهو منزل جدها الكبير ووالدها له نصيب النصف به وليس لهم منزل خاص هنا ،وبعد الرفاهية والعيشة الهانئة فجأة حدث ذلك الحادث ؛ حتى الآن لا يمكنها نسيان تلك اللحظة عندما وصل ذلك الشخص وبلغها بوقوع الحادث ؛لقد شعرت بالصدمة وبالانعزال عن العالم  كلياً ولم تنزل دمعة واحدة من عينيها لا يمكنها أن تستعب ما حدث ،وكانت تقف كالصنم بالمستشفي كأنها تشاهد حياة غير حياتها وودت العودة للمنزل للبحث عن حضن والدتها الدافيء فظلت تقف بمكانها لا تدري ما عليها فعله ؛ولولا صديق والدها الذي أهتم بإبلاغ عمها الذي وصل فوراً من القاهرة وأهتم بنقل جثمانهم ،وأخذها بعد أن اهتم بجعل أحدهم يحضر لها حقيبة ملابسها فتركت له الدفة كاملة ،وهي علي جمودها  ؛وما تزال حبيسة تلك القوقعة .

،والآن يتشاجر عمها مع خالها ،وخالتها علي من يهتم بها ،وكأنها طفلة صغيرة ؛أو غرض مُهمل لا أهمية ؛ ولا رأي له أنهم مجانين هي ستعود لدبي بالتأكيد لترمم جراح فقدانها لوالديها ،ولن تتزوج ذلك الفلاح الذين يودون رميها له ؛ حاولت إيقاف دموعها التي كلما ظنت أنها توقفت  تجدها تهدد للانهمار مجدداً ؛لكن كلا ليس هذا بوقت البكاء هم يعتقدون أن لا حول لها ولا قوة ..هم مخطئون وهي ستثبت لهم ذلك فهي ستهتم بنفسها دون الحاجة لأحدهم عندما تنتهي من أكمال ذلك البرنامج الذي تعمل عليه فهي منذ سنه كاملة ،وهي تعمل علي هذا البرنامج  علي الحاسوب  فهي خبيرة في مجال الحاسوب  والأتصالات ..؛فقد أخذت من الدورات الكثير جداً فالنسبة لها  الحاسوب  وشبكة الاتصالات هم حياتها بلا منازع    

 فظلت تهمس لنفسها بألم :

لا تبكي ..لا تبكي ؛سنعود لدبي ووقتها سنبكي حتى نفرغ مقلتينا ؛لكن لا تبكي الآن . 

ورغم كلامها التشجيعي ورغبتها في رسم دور الشجاعة فشلت في منع دموعها ووجدت نفسها تغرق الوسادة من كثرة الدموع لقد حبست نفسها بالغرفة ،ولم تحضر العزاء فكل أولئك الناس أغراب عنها ولا تعترف بهم ؛فبدئت النهنهة رغماً عنها وقالت بألم شديد وهي تود الصراخ كاتمة صراخاتها المميتة داخل الوسادة :

-   لماذا رحلتم دوني ؟ أنا أكرهكم ؛كان يجب أن تبقوا دوماً بجواي كما قمتم بوعدي ..ماذا أنا فاعلة دونكم الآن ؟ أنا أريد أن أموت .


********

أخيراً وصلت يا سامح ؟ لماذا لم تنتظر اليوم حتى ينتهي  وقت العزاء ؟

نظر سامح لوالدته بإرهاق وقال لها :

معذرة يا أمي فلقد كان لدي طلبيه مهمة للغاية وأبي يعرف ..ثم العزاء سيستمر لثلاث ليال وأعدك غداً سأكون موجود طيلة اليوم .

فقالت والدته له بهدوء :

ما رأيك يا سامح في رنا ابنه عمك ؟

نظر سامح لوالدته وفكر قليلاً ولاحت لمخيلته اللحظة التي ذهب فيها لاستقبال والده في المطار مع جثمان عمه وزوجت عمه وبدا المشهد حي في رأسه للحظات نسي فيها عما يتحدث مع والدته فهناك بالمطار كان هناك مشهد سافر بين اثنان من الأجانب يقفان بلا خجل يقبلان بعضاهما بصالة المطار ؛وطبعاً المشهد لفت نظر أغلب الرواد الموجودون بالصالة الخارجية ..لدرجة أن بعض الأشخاص كانوا يلتقطون الصور لهم وهذا أشعره بالاشمئزاز من هذا الفٌجر العلني  داخل موطنه ؛وفي هذه اللحظة لاحت هي؛ فتاة شابة في بدية عقدها الثاني ؛ ذو شعر قصير ،وملامح حزينة تخفي عينيها بنظارة سوداء كبيرة ،وترتدي فستان أسود دون أكمام بالكاد يغطي ركبتيها ،ومرت من جوار العاشقان ،هائمة وكأنها لا تعرف إلي أين هي ذاهبة ،وهي تحمل مشروب ما ولا تشرب حتى منه ..لكنها كانت شاردة لدرجة أنها ارتطمت بالفتاة دون انتباه وأسقطت المشروب علي ملابسها ؛وهنا فقط اشتعل الموقف فقد توقف العاشقان عن التقبيل ؛ونظروا للفتاة بغضب شديد ،وبدأ سيل من الشتائم البذيئة بالإنجليزية ينهال عليها ،وهي فقط نظرت إليهم وكأنها لا تراهم ولم تبادر حتى للاعتذار بل قالت بالعربية بحنق :

لم اقصد؛ فقط ابتعدا عني .

وكادت أن تبتعد عن دربهم ..لكن الشاب الغليظ غضب من تصرفها  مما جعله يشدها من ذراعها بغيظ مواصلاً وصلة الشتائم آمراً إياها بالاعتذار لحبيبته  ؛وهنا فقط  شعر سامح أن عليه التدخل فلن يسمح لذلك الأجنبي الوقح أن يذل ابنه بلده دون فعل شيء ؛لذا أقترب منه قائلاً له بغلظة بالإنجليزية التي يجيدها :

أبعد يدك عنها ...فلم يحدث ذلك السوء .

فنظر له الشاب قائلاً بغضب :

تلك الوقحة قد أهانت حبيبتي للتو ولن أتركها حتى تعتذر .

فرفعت الفتاة رأسها ناظرة له ولذلك الشاب الذي يتصرف الآن كحامي الحمى بنظرات ضائعة ،ولسبب ما شعر سامح بالشفقة عليها دون أن يعرف السبب وهذا جعله يقول للشاب بالإنجليزية :

هي لن تعتذر لأحد ..فإذا كان علي أحد  الاعتذار فعليك أنت وحبيبتك أن تفعلا للجميع هنا بسبب التلوث البصري الذي عرضتنا له دون أن تعبأ بمعتقداتنا وثقافتنا ؛بفعل شيء نقيمه في بلدنا بفعل فاضح في الطريق العام .

نظر له الشاب الأجنبي بغضب شديد ثم جذب يد حبيبته بغضب وهو يقول :

هيا فلنذهب بعيداً عن هؤلاء الهمج .

كاد سامح أن يلكمه بوجهه علي هذه الكلمة لكنه أمسك نفسه عندما رأي رجال الأمن يقتربون ولحسن الحظ أن الشاب أبتعد قبل أن يتفاقم الأمر ويتم اتهامه بكونه إرهابي  يريد أفساد حركة السياحة في الوطن  ؛فنظر لتلك الفتاة التي كانت لا تزال تقف بوضعها دون حراك وقال لها بقسوة :

أن أخطأت فعليكِ الاعتذار يا  آنسة ..فذلك الوغد كان مستعد لضربك فقط لتعتذري لحبيبته  وطبعاً لا أحتاج لأخبارك أن لو رجال الأمن كانوا تدخلوا لم يكن الوضع ليكون بصفك أبداً  .

نظرت له الفتاة بحنق وقالت له بضياع وكأن ما حدث للتو لم يؤثر بها ولا يهمها  :

انه شاب متخلف ؛لكن من طلب منك التدخل  ؛ارجوك دعني لحالي.

هل تعتقد تلك المرأة أنه كان يحاول مغازلتها بتدخله شعر بالغضب الشديد لهذا خاصة عندما وجدها ابتعدت عنه غير عابئة برد فعله يالها من غبية وناكرة للجميل أنها غلطته بالكامل كونه تدخل لمساعدة امرأة مثلها  سمع صوت والده ينادي عليه فالتفت وذهب في اتجاهه سريعاً قائلاً له وهو يعانقه محولاً أن يزيح صورة تلك المرأة الوقحة من رأسه :

البقاء لله يا حاج حمداً لله علي سلامتك .

شكراً يا ولدي ؛لقد حضرت برفقة رنا ابنه محمد رحمة الله عليه ؛تلك المسكينة ؛أن نياط قلبي تتقطع حزناً عليها وهي منعزلة عن الجميع والصدمة مازالت تعتريها بقوة .

أومأ سامح برأسه بحزن وقال له:

هذه هي الدنيا يا والدي لا تدوم لأحد وتخطف أعز الناس علي غفلة منا..لكن أين هي لماذا ليست معك ؟

فقال والده وهو ينظر حوله بحثاً عنها:

لقد ابتعت لها مشروب ساخن لانها لم تأكل شيئاً منذ ما حدث لوالديها وتركتها لوهلة ،وذهبت  للحمام ..لابد أنها في مكان ما حولنا ..أه ها هي هناك .

وأشار والده لاتجاه ما فتبع سامح نظراته ووقع نظره عليها ؛ مستحيل هل تلك الفتاة الجاحدة الناكرة للجميل هي ابنة عمه فعقد حاجبيه ونظر لوالده قائلاً له بدهشة :

إذن هذه هي رنا ابنه عمي محمد .

فقال والده له :

أذهب للبقاء معها حتى أنهي باقي إجراءات نقل الجثمان يا ولدي .

ثم تركه وابتعد بينما سامح كان بين ناريين ؛ نار حقده عليها ..,ونار الشفقة الشديدة لمصابها ؛فالنسبة له لم يكن يري عمه كثيراً ،وليس متعلق به بل بالكاد يتذكره بينما هي فقدت كل شيء فاقترب منها وقال لها برفق :

حمداً لله علي سلامتك يا ابنه العم .

فنظرت له رنا وعرفت به ذلك الشاب الذي تصرف منذ قليل بشهامة متصنعة  للفت نظرها ؛لماذا لا يتركها الجميع لحالها ؟ أينتظر أن تشكره ؟ يا له من غبي فهي لا تريد سوي أن يتركها الجميع بحزنها الخاص فهي لا تري.., ولا تسمع ..,ولا تريد التكلم مع أحد هي ضائعة وكأنها داخل دوامة تدور بها دورات لا نهائية ،وهي فقط تنتظر توقف تلك الدوامة للعودة لحياتها بين أحضان والديها فهي لا تريد أن تصدق أنها لن تراهم مجدداً ؛ فنظرت له بملامحة  القوية وفكرت بحزن انه شاب وسيم ،ويمكنه ببساطة لفت نظر ايه فتاه إلاها  لماذا اذا لا يدعها وشانها ؟ فقالت له بحنق : 

ابتعد عني يا هذا  ؛فلا وقت لدي ولا مجهود كي أضيعه معك.

هل لازالت هذه تعتقد أنه يريد مغازلتها يا لها من وقحة ؛وفقط كونه الآن يقدر حالتها حالياً كان جرحها بكلامه الفظ الذي يبرع به كثيراً فقال لها ببرود :

أنا سامح ابن عمك ..وأنا هنا لاستقبالك أنت ,ووالدي  

ابن عمها ! نظرت له بلا مبالاة  إذن هذا هو سامح ابن عمها سعيد وليكن صحيح إنها تتذكر ملامحة بصعوبه فلقد كانت تقريبا في العاشرة عندما رأته أخر مره عندما حضرت مع والدها في اجازة للقرية  ؛لكنها لا تهتم حتى  فهي تغرق ولا يوجد هناك من ينتشلها من أوجاعها فظلت علي صمتها وكأن إعلامه لها الآن بحقيقة شخصيته لا يعنيها في شيء أبداً ,وبعدها التقوا بعمها وأصبح ثلاثتهم داخل سيارة كبيرة ,وورائهم سيارة كبيرة بها التابوتين الذين يحملوا أعز من كانوا لديها بالوجود ؛بينما  هو شعر بالحقد عليها بسبب وقاحتها ,وملابسها الغير محتشمه ؛رغم أن عليه ألتماس الأعذار في الوقت الحالي علي الأقل فقال لوالده بصوت عالي كي تسمعه :

تلك الفتاة لا يمكنها دخول القرية بهذه الملابس غير المحتشمة يا أبي .

رفعت رنا رأسها له لا يعجبها كلامه لكنها لم ترد عليه بينما قال عمها :

لا بأس لنمر علي أحدي المحلات لشراء ثوب يناسب الظروف .

رأي سامح تأففها دون الاعتراض ,وبعدها توقف هو في محل لبيع العباءات للحريم ورأي نظره رنا الغير مستساغة للأمر ,وهي تنزل من السيارة مرغمة ,وتدخل معه المحل بينما ينتظر عمها بالسيارة ؛فنظر سامح لجسدها وتوقع سلفا مقاسها فهي ذات جسد ممشوق ,وقصيرة القامة لذا أختار بنفسه عباءة سوداء بسيطة التصميم ,ونقوشها غير بارزة تناسب تماماً جو العزاء ,وأمرها قائلاً :

أدخلي أرتدي هذه فوق ملابسك بسرعة فلا وقت لدينا .

فنظرت له بحنق لكنها لم تعترض ودخلت لترتدي هذه العباءة ..وهنا أعادته والدته للواقع عندما سألته مجدداً :

-  لماذا صمتت؟ هيا قل لي ما هو رأيك بها ؟ 

فنظر لوالدته وقال بلا مبالاة :

- فتاة مدللة وغير محتشمة ,هل مازالت هنا أم رحلت مع أقارب والدتها ؟

كانت أمه تتفق معه علي أنها غير محتشمة بالتأكيد ورغماً من هذا قالت :

وهل تريدها أن ترحل ؟

يبدو أنها لم تعجب سامح علي الإطلاق شعرت هي بالضيق لهذا بينما قال هو وهو يهز كتفيه دليل علي عدم أكتراثه بالأمر :

والدي قال أنها سترحل مع خالها بعد أنتهاء فتة العزاء .

فقالت والدته وهي تنظر إليه جيداً لتقيم ردة فعله :

-  كلاهي ستبقي هنا معنا ؛مسكينة رفض خالها أن يأخذها معه ,وبالنسبة لملابسها لا تقلق سنغيرها طبعاً لملابس تليق بالمكان  .

نظر سامح لوالدته بدهشة وقال لها بتعجب :

حقاً ستبقي هنا !

أومأت والدته برأسها وهي تدعي الشفقة عليها فهز رأسه ,وهو يشعر بالامتعاض كيف يمكنه تحمل وجودها بالمنزل فهي توتر أعصابه وأيضاً هو لا يحب النوع المتحرر بشدة من النساء ,وهي بملابسها المكشوفة القصيرة التي كانت ترتدي عندما أستقبلها هو ,ووالده وجثمان عمه بالمطار كانت غير لائقة  أبداً للعيش بمنطقة ريفية فتنهد وقال لوالدته :

وليكن ..أهم شيء عليها احترام نفسها والاحتشام داخل الدوار.

ابتسمت والدته وقالت :

طبعاً يا ولدي لا تقلق أنها مسكينة ومنكسرة وستستمع لنا بالتأكيد

تعليقات